ماذا وراء التطبيع التركي- السوري؟!

ماذا وراء التطبيع التركي- السوري؟!

فرحان مرعي

تدخلت تركيا باكراً في الشأن السوري عند اندلاع ثورتها، آذار عام ٢٠١١، بحكم الجغرافيا والحدود الطويلة بين البلدين، والعلاقات المتداخلة بينهما تاريخياً، فكان يهمُّها أيُّ تغيير سياسي في هذا البلد المجاور، الذي قد ينعكس عليها، وخاصة بينهما ملف مشترك حساس وهو الملف الكردي والقضية الكردية، فشكل النظام الجديد، ديمقراطياً كان، أو إسلامياً، أو استبدادياً ، يجب أن يكون لتركيا بصمة فيه، وكان سقف التدخُّل عالياً، إذا فهمنا طبيعة النظام في تركيا، في عهد أردوغان خصوصاً، ذي الطبيعة الإسلاموية، وقطب للإسلام السياسي السنّي في منطقة الشرق الأوسط ، نجد أنه لم يراهن أحدٌ يوماً، على تركيا في دعم الديمقراطية في سوريا، ولا دعم المسألة الكردية فيها، وعندما كان يقول أردوغان في بدايات الثورة، إن حماة خط أحمر، أو إن سوريا القادمة يجب أن تكون بدون الأسد، كان يخطط لنفسه مشروع حكومة إسلامية، إلا إنه كان للقوى الدولية المؤثرة رأي آخر،، وهو : لا مكان للإسلام السياسي في سوريا.
إن هاجس تركيا الوحيد هو الكرد، ليس الكرد والمسألة الكردية عندها فقط، وإنما في علاقاتها مع الجوار، وخاصة العراق وسوريا وإيران، لأن تحقيق أي شكلٍ من أشكال الديمقراطية في هذه البلدان، هو طريق لحل ولو جزئي للمسألة الكردية، وهذا ما لا تريده تركيا بل تحاربه.
هذا الموقف التركي لا يقتصر حقيقة على عهد أردوغان فقط، وإنما كان عبر التاريخ، إلى ما قبل سايكس بيكو أيضاً.
تدخّلت تركيا في الشأن السوري وحراكها الثوري، منذ البداية، حتى لا تظهر دولة ديمقراطية، تؤمن بحقّ الشعوب المضطهدة في الحرية وخاصة الكرد، وحصل ما حصل، وبحكم الجغرافيا والحدود المشتركة والهروب من أهوال الحرب، لجأ السوريون إلى تركيا، فأصبحت بوابة التغريبة السورية، ومنها نشأت أزمة اللاجئين العالمية.
الأزمة السورية تراوح في مكانها بعد أربعة عشر عامًا من الحرب، وأصبح الحديث عن قرار الأممي ٢٢٥٤ للحل السياسي في سوريا من باب النكتة السياسية، وحل محله أكثر من قرار إقليمي ودولي، في هذا الوقت بالذات تستعجل تركيا التطبيع مع النظام السوري، وكأنها استفاقت من سباتها، رغم أن العلاقات الأمنية لم تنقطع خلال مدة الأزمة السورية، حالياً تركيا تريد إعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية، وتدوير زوايا الأزمة، بعد أن وصل الوضع في سوريا إلى النهايات، وبالتالي لا بد من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات والتواففات الدولية بما يخدم مصالحها.
إن الاستعجال التركي للتطبيع مع النظام السوري ليس من باب الضعف، إلا أنها تريد تطبيعاً على مقاسها، ووفق مصالحها، وتريده لهدفين أساسيين لا من أجل حلٍ جذري للأزمة، ولا تنفيذاً لمطالب النظام السوري في الانسحاب من المناطق التي استولت عليها تركيا في الشمال السوري، وإنما تريد حلاً لمشكلة اللاجئين عندها، كمطلب وضغط سياسي وشعبي تركي، للتخلص من عبء هؤلاء، وما يمكن أن يخلق من حالات عدم الاستقرار في تركيا مستقبلاً، وكذلك موضوع الأمن القومي وحماية حدودها الجنوبية، من خطر الإرهاب كما تقول.
من المفارقات في الأزمة السورية أن جميع الدول المتصارعة على الساحة السورية تدّعي حرصها على وحدة الأراضي السورية، ولكنها هي نفسها تنتهك، وانتهكت سيادة الأراضي السورية، وهذه الدول جميعاً في الوقت نفسه تدّعي أنها موجودة على الأرض السورية لمحاربة الإرهاب، بينما هي التي جلبت المجاميع الإرهابية إلى سوريا لتبرر وجودها.
في الواقع- وكما هو واضح على الأرض أن سوريا ككيان ودولة لن تخرج من هذا الصراع ، سليمة، معافاة، دون تقسيم أو مناطق نفوذ طويلة الأمد، لقد أصبحت وحدة الأراضي السورية أضغاث أحلام، وترديدها يأتي من قبل النظام من باب حفظ ماء الوجه، أو رفع العتب من قبل الدول المعنية وبرباغندا لا معنى لها، لذلك إن مطلب النظام السوري من تركيا الانسحاب من أراضيها، هو تشتيت الوقت، وسوف يشتغل على هذه القضية لسنوات عديدة، ويبدو أنها مرتاحة بهذا الوضع القائم لتعطي انطباعاً للعالم إنها تحارب الإرهاب، لأن هذا النظام وعندما اجتاحت تركيا تلك المناطق لم يطلق رصاصة واحدة في الدفاع عنها، لقد كانت هناك اتفاقيات رسمت بين القوى الأساسية، تركيا وروسيا وأمريكا، وتركيا لم تكن لتستطيع احتلال متر واحد من هذه الأراضي لولا موافقة هذه الدول، هذه نتائج الحرب، ووقت توزيع الحصص ومناطق النفوذ، وبقاء النظام السوري على سدة الحكم، ضاربين بعرض الحائط كل الدماء السورية ومصالح الشعب السوري في بناء دولته الوطنية الديمقراطية.

تركيا التي تستعجل التطبيع مع النظام، تشعر أن أمريكا ستحتفظ بنفوذها في شرق الفرات، ولا تستبعد أيضاً إعطاء شرعية لهذا النفوذ بأدوات محلية. لذلك هي في وضع الهروب إلى الأمام، للاحتفاظ ما تحت يدها، خشية من تطورات دولية لا تأتي لمصلحتها خاصة الانتخابات الأمريكية قادمة، والصراع قائم بين الديمقراطيين والجمهوريين، والمهم من سيقف إلى جانب تركيا أكثر!!