رسائل دبلوماسية إقليم كوردستان لها دلالات ومؤشرات سياسية ناجحة على الصعيدين الإقليمي والدولي
عزالدين ملا
الرسالة الدبلوماسية لقيادات إقليم كوردستان على خُطا الرسائل الدولية تعطي دلالات ومؤشرات مهمة عن رؤية مستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط عامة ومستقبل العراق وسوريا على وجه الخصوص.
أولاً، احتمالات التقارب بين النظامين التركي والسوري بترتيب من بغداد، ومن ثم التوجُّه الروسي والإيراني إلى الإسراع في تقريب وجهات النظر بين تركيا والنظام السوري للوصول إلى رؤية سياسية تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى السير نحو قبول بعض الإملاءات الروسية والإيرانية على حساب الشعبين السوري والعراقي.
ثانياً، الزيارات المكوكية لقيادات إقليم كوردستان إلى بعض الدول في خضم هذه التحرُّكات القائمة وخاصة زيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى بغداد وعقد سلسلة اجتماعات مع رئيس حكومة العراق محمد شياع السوداني، ومع بعض المسؤولين في الحكومة العراقية وكذلك مع سفراء الدول العربية مجتمعة والتي تعطي انطباعاً إيجابياً عن مواقف الدول العراقية تجاه إقليم كوردستان. بالإضافة إلى زيارة الرئيس نيجيرفان بارزاني إلى فيينا عاصمة النمسا.
1- ما تحليلك لكل ما يجري الآن على الساحة المحلية والإقليمية والدولية؟
2- كيف تقيّم زيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى بغداد في هذا التوقيت؟
3- برأيك، هل سيكون للكورد دورٌ في المرحلة القادمة؟ كيف؟ ولماذا؟
4- ما الذي يتطلب سياسياً لكورد سوريا من أجل تثبيت موطئ قدم لهم في المرحلة القادمة؟
دبلوماسية هادئة تنتهجها قيادات إقليم كوردستان
تحدث رئيس المجلس الوطني الكردي وسكرتير حزب يكيتي الكوردستاني- سوريا، سليمان أوسو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: « لقد تراجع الاهتمام الدولي بحل الأزمة السورية بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، وبقيت فقط المبادرة العربية في محاوله منهم التطبيع مع النظام السوري بهدف إبعاده عن إيران، وفق منظورهم، والحد من التدخُّل الإيراني في سوريا، ويحظى هذا التوجه بدعم الامريكي وتركي أيضاً.
إلا ان مجريات الحرب الدائرة في غزه أثرت على مجمل القضايا السياسية في المنطقة، وكذلك في الملف السوري، وكان لقطع العلاقات التجارية بين تركيا واسرائيل تأثير على اعاده الملف السوي الى واجهة الاهتمام الدولي، حيث كان تصل البضائع التركية الى الخليج عبر موانئ اسرائيل مما اوقعت الدولة التركية في مأزق تجاري حقيقي، ودفعها الى التسريع في خطوات التطبيع مع النظام السوري برعاية روسية، مما أدى إلى فتح معبر الزندين كخطوة أولى بين النظام وتركيا لفتح الطريق أمام البضاعة التركية لتصل إلى الدول الخليجية عبر الأردن. وترافق ذلك بتصاعد خطاب الكراهية ضد السوريين في تركيا وغيرها من الدول، وتم الاعتداء على السوريين وممتلكاتهم في بعض المدن التركية، ودول تواجد اللاجئين السوريين. وكذلك التناقض التركي الأمريكي بسبب دعم أمريكا لـ (قسد) كل ذلك اسباب دفعت تركيا إلى التسريع في التطبيع مع النظام السوري. إن العلاقات الثنائية بين الدول بسبب مصالحها الاقتصادية لا يمكنها ان تكون بديلة عن الحل السياسي وفق القرار الاممي ٢٢٥٤ .
في تقديري ان المفاوضات الأمريكية السعودية لعقد الاتفاق استراتيجي بينهم على كافة الأصعدة بما فيه حل القضية الفلسطينية. وفق قرار (حل الدولتين) إن انجاز هذه الاتفاقية سيخلق وضع جديد ينعكس على الوضع السوري، والمنطقة برمتها ».
يتابع أوسو: «إن الزيارة الناجحة التي قام بها جناب السروك مسعود بارزاني إلى بغداد، والتقى بسفراء العديد من الدول العربية والأجنبية، وكذلك مع جميع القيادات السياسية العراقية. حيث أجرى الكثير من المصالحات بينهم. وأنّ هده الزيارة تعتبر بداية مشجعة لحل معظم القضايا الخلافية بين الإقليم وبغداد، والتي ستنعكس إيجابياً على استقرار الإقليم وتطوره».
يرى أوسو: «أنه سيكون للكرد دور مهم جداَ في المعادلات الإقليمية والدولية، بسبب الدبلوماسية الهادئة التي تنتهجها قيادات الإقليم، وحرصهم على إقامة علاقات اقتصادية متطورة مع دول الجوار، ومحاولات حل القضايا الخلافية مع إيران والأطراف السياسية العراقية. وكان آخرها زيارة الرئيس نيجيرفان بارزاني إلى إيران والوصول لتفاهمات جيدة التي أثرت بدورها على علاقاتهم مع الأطراف العراقية».
بالنسبة لكرد سوريا، يضيف أوسو: « لقد أنجزنا شوطاً كبيراً في مجال تعريف الرأي العالمي بعدالة الحقوق والمطالب الكردية في سوريا، وأصبحت القضية الكردية في المجال الوطني السوري قضية كل السوريين بامتياز.
يتوجب علينا العمل مع جميع منصات المعارضة السورية، وكل الوطنيين والديمقراطيين والمنظمات النسوية، ومنظمات المجتمع المدني في سوريا، لأجل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية وفق القرارات الدولية الخاصة بالأزمة السورية لاسيما القرار ٢٢٥٤ هذا من جانب.
ومن جانب آخر يجب العمل من أجل توحيد الموقف الكردي في سوريا بعيداً عن تدخلات pkk في شؤون الكرد السوريين. واستكمال المفاوضات الكردية برعاية أمريكية. وذلك يتوجب على pyd التخلص من نزعة الهيمنة والتفرد بالقرارات المصيرية التي تهم الوجود الكردي ومستقبله، وقبول مبدأ الشراكة».
أوضاع متغيرة ومتسارعة في المنطقة
تحدث عضو المكتب السياسي في البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا، خالد عبدالله لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «التقارب الذي يسعى خلفه الرئيس التركي أردوغان ناجم عن ظروف داخلية صرفة وأوضاع متغيرة التسارع في المنطقة وخاصة ما تشهده الساحة السورية من تحولات تكرس الواقع الراهن دون حلول، نتيجة تضارب المصالح الدولية المتداخلة في الشأن السوري، والخشية التركية وهواجسها تتجلى في الإبقاء على الوضع الراهن القائم، واستمراره ليتحول إلى واقع نتيجة إدارة الشأن السوري وتركه دون حل يرضي تطلعات الشعب السوري بكافة مكوناته وفق هوياتهم، ولعل الوضع الأمريكي الراهن ساهم بوتيرة اسرع في دفع روسيا لخلق مسار التقارب بين تركيا والنظام والتمهيد للقاء قمة بين الرئيسين. والدعم الخليجي مبني على سد السبل أمام إيران وتوغلها عبر ميليشيات منتشرة في بعض الدول واستباحتها للسيادة وتحولت توابعها دولة تغيب الدولة ومؤسساتها وتصادر قرار السلم والحرب وتحتكرها بذريعة المقاومة خدمة لأجندات ومصالح إيران».
يتابع عبدالله: «أنه قد يكون دور الحكومة العراقية المخترقة ايرانيا هو تكتيك لتخفيف العبء عن إيران ومنع أي حرب على حزب الله في لبنان، يستفاد من توسيع دائرة الحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو نتيجة لأوضاع شخصية وحزبية. وباعتبار أي تقارب قادم من أجل سوريا لابد أن تضمن القضية الكردية وحقوق الشعب الكردي في إطار وحدة البلاد، وهي العقدة الكأداء والأبرز في حل سوري عام، ولا يمكن تجاوزها. تضغط بعض الدول في عدم رفع سقف المطالب وحصرها في المواطنة المتساوية. وقد يكون للجغرافيا أيضا دورها فضلا عن أداء الحركة الكردية وانقسام الشارع الكردي والتناقض اللافت في الشعارات والممارسات التي في بعضها لا يتجلى مستقبل الكورد السوريين».
يضيف عبدالله: «ان ما يدفع حكومة الإقليم والرئيس مسعود البارزاني شخصيا إلى هذه الزيارات واللقاءات لما له من وزن سياسي إقليمي ودولي وبحكمته وحنكته يسعى إلى عدم تجاوز حقوق الشعب الكردي في أي حل أو مشاريع حلول تطرح إن كانت خارج العراق أو في بغداد، وقد كانت لزيارته بعد قطيعة من جنابه نتيجة استهداف كوردستان وحكومته وشعبه والتنصل من تطبيق مواد الدستور العالقة ومحاربة الشعب الكوردستاني في لقمة عيشه من قبل حكومات المركز، وأن يتفاوت وفق الظروف، لكن حنكته السياسية وصبره وجلده في أصعب المواقف وأحلك الظروف أضاف إلى دوره التاريخي وزاد من ثقة الأعداء به قبل الأصدقاء، لقد توج بزيارته مصالح شعب كوردستان ودعم حقوق الشعب الكردي في سوريا في حل أو تقارب يفضي إلى حل ».
يشير عبدالله: «إلى أن الحركة السياسية الكردية في سوريا فقدت الكثير من دورها المنوط بها على الصعيدين الوطني والمحلي الكردي، وسيكون للكرد في المستقبل بعض الحقوق، ولكن اعتقد انها لن تتجاوز حقوق اللغة والثقافة وما الى ذلك، ولعل المعارضة الرسمية وخاصة تيار الإسلام السياسي أيضا تتحمل جزءا كبيرا منها بالإضافة إلى تحول مسار الثورة نحو ما أراده النظام بسبب تمسكه بالحل الأمني فقط واستخدامه المفرط في إباحة القتل والتدمير دون أي اكتراث لأي شيء .
بدون وحدة الهدف والموقف الكردي لا اعتقد تحقيق ما لفت النظر إليه سابقا وبناء شراكات حقيقية مع مكونات سوريا وعدم وضع البيض في سلة واحدة. الحركة الكردية مطلبية تناضل من أجل حقوق شعب طاله الإنكار ومحاولات طمس هويته القومية وهذا يشترط ترسيخ قيم النضال بين الجماهير من خلال تجسيدها عبر أفعال وممارسات من يتصدرون المشهد».
التحرك الدبلوماسي الناجح لقيادة إقليم كوردستان إقليميا ودولياً
تحدث عضو الهيئة السياسية لحزب يكيتي الكوردستاني- سوريا، فؤاد عليكو لصحيفة «كوردستان»، بالقول :«تشهد الساحة السياسية والعسكرية في الشرق الاوسط منذ عملية حماس في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣ تطورات دراماتيكية لا أحد يستطيع التكهن بتداعياتها ونتائجها، إذا ما خرجت الأوضاع العسكرية عن السيطرة، خاصة على الجبهة اللبنانية، لذلك يعمل الجميع على تنشيط الدبلوماسية لمنع ذلك، وتقود أمريكا هذه الدبلوماسية بكثافة، لذلك نجد وزير الخارجية الامريكية يقوم بجولات مكوكية إلى الشرق الاوسط كل شهر تقريباًّ ، زائراً الدول المعنية بالأزمة بغية ضبط الاوضاع ومنع خروجها عن السيطرة، بالإضافة لذلك وجود طاقم أمريكي أمني واممي دائم في المنطقة لمتابعة هذه التطورات أول بأول وعن قرب وممارسة الضغوط على الأطراف جميعاً لمنع التدهور والوصول إلى نقطة لا يمكن السيطرة عليها، كما أوكلت مهمة تحييد النظام السوري عن ساحة الصراع والابتعاد عن إيران إلى الدول العربية التي عملت على التقارب مع النظام السوري من خلال دعوتها إلى القمم العربية وعودتها إلى الجامعة العربية، مقابل وعود بإجراء إصلاحات مقبولة على الصعيد الداخلي، وقد حققت هذه الدبلوماسية تقدماً جزئياً من جهة نقطة الابتعاد عن الصراع العسكري مع إسرائيل بوقفها موقف المتفرج لا أكثر، أما من جهة الإصلاحات الداخلية فلازالت اللجنة العربية المعنية بالملف والمكونة من مصر والسعودية والاردن والعراق ولبنان وجامعة الدول العربية تواصل عملها ومن المتوقع أن يحصل اجتماع لها في بغداد للغرض ذاته.
أما في تركيا فقد تحركت تركيا باتجاه بغداد واقليم كوردستان لوضع حد لنشاط الحزب العمال الكوردستاني وتحسين علاقاتها معها، لذلك كانت زيارة أردوغان الناجحة إلى بغداد وهولير في أواسط نيسان وتوقيع لأكثر من عشرين اتفاقية بين البلدين، إضافة للعمل معاً على إنهاء نشاط الحزب في العراق بالتنسيق مع النظام السوري وقد يعقد اجتماع بين الدول الثلاثة قريباً، وللغرض ذاته وبالإضافة إلى ملف اللاجئين السوريين الضاغط لديها فقد تحركت باتجاه موسكو أيضا للقيام بمساعي التوسط بينها وبين النظام السوري لحل الملفات العالقة بين الطرفين بغية عودة العلاقة بينهما إلى حالتها الطبيعية ، وهناك إشارات إيجابية في هذا الاتجاه ، لكن لم يترجم هذه المحاولات والجهود الروسية إلى خطوات عمليه بعد، وإذا ما تحقق ذلك فسوف يكون حتماً على حساب pkk والثورة السورية معاً ».
يتابع عليكو: «كلنا نعرف أن إقليم كوردستان تعرض لهجمة شرسة من قبل إيران والفصائل العسكرية العراقية الموالية لها بالصواريخ للمدن والمنشآت الكوردستانية ووقوع العديد من الضحايا الأبرياء، بالإضافة إلى قرارات المحكمة الاتحادية الخاصة بتوطين رواتب موظفي الإقليم أي جعلها من صلاحيات المركز بالإضافة إلى تقليص كوتا الأقليات في برلمان الاقليم وغيرها من الإجراءات التي تهدف جميعها إلى تقليص صلاحيات الإقليم الدستورية بغية افراغ الإقليم من مضامينه الدستوري المتفق عليه بين الإقليم والاطراف السياسية العراقية بعد سقوط نظام الدكتاتور صدام حسين، ومن المؤسف القول إن كل هذه التدخلات كانت تحصل بتغطية من الاتحاد الوطني الكوردستاني شريك الديمقراطي في إدارة حكومة الإقليم، لكن صمود الإقليم بقيادة الرئيس مسعود البارزاني ورفضه لقرارات المحكمة الاتحادية ورفضه المشاركة في الانتخابات، إضافة للتحرك الدبلوماسي الناجح لقيادة الإقليم دوليا، خاصة زيارة رئيس وزراء الإقليم السيد مسرور البارزاني في نهاية شهر شباط إلى أمريكا وقيامه بسلسلة لقاءات مع مراكز القرار الأمريكي قد اثمرت بوقوف أمريكا إلى جانب الإقليم وإرسال رسائل قوية إلى الحكومة العراقية يحظرها من العبث بأمن الإقليم والتدخل بصلاحياته الدستورية، ثم اعقب ذلك زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أمريكا في اوائل نيسان والذي كان يعاني أيضاً من سطوة الفصائل، ثم تلا ذلك زيارة رئيس الإقليم السيد نيجيرفان البارزاني إلى طهران ولقائه مع القيادات الإيرانية، كل هذه التحركات الناجحة أدت إلى حلحلة الأوضاع وحصول انفراجات حقيقية في تعامل المركز مع الإقليم ومهدت الطريق أمام زيارة الرئيس مسعود البارزاني لبغداد من موقع القوة، وتجلى ذلك من خلال الاستقبال الكبير للرئيس البارزاني من قبل معظم القيادات العراقية والبحث معهم حول مجمل الملفات العالقة بين الطرفين وأعتقد أن الكثير منها ستجد طريقها للحل أو للحلحلة قريبا.
ضمن هذه الأجواء الإيجابية أعتقد بأنه سيكون للإقليم دور مهم في الملف الكردي بشكل عام في المرحلة المقبلة ليس لإقليم كوردستان فقط بل قد يلعب دوراً مؤثراً في الملفات الكوردستانية في دول الجوار، وأنني متفائل تجاه ذلك».
يضيف عليكو: «يؤلمني القول بأن وضع الكرد في سورياً غير مشجع لإرسال رسائل تفاؤلية لشعبنا وذلك بسبب عاملين أولها اخفاق الثورة السورية في تحقيق طموحها في الحرية والكرامة بإسقاط النظام الدكتاتوري ومن ثم إنتاج بديل وطني ديمقراطي حقيقي، وبما أننا كنا ولازلنا جزءاً من الثورة السورية، فإن اخفاقها سينعكس سلباً على الوضع السياسي للشعب الكردي أيضاً، والعامل الثاني: هو هيمنة ب ي د على الساحة الجغرافية لقسم من كوردستان سوريا ونتيجة لاستفرادها بالقرار ونسفها للاتفاقيات الثلاث الموقعة بينها وبين المجلس الوطني الكردي تحت رعاية الرئيس مسعود البارزاني وكذلك ارتباطها بحزب العمال الكردستاني المصنف اوربياً وامريكياً كمنظمة إرهابية، مما حالت دون التعامل الدول إيجابياً معها، وبالتالي بقيت ورقة مساومة بين الدول الإقليمية وغير الإقليمية كروسيا وأمريكا. وعلى ضوء ما تقدم فإن مصيرنا مرتبط بمصير الشعب السوري ككل وبما تؤول إليه التفاهمات بين النظام السوري والدول المعنية بالملف السوري».