كُرة القدم والعِشق الأبدي
محمد رجب رشيد
لا نُبالِغ إذا ما وصفنا الذي بين الإنسان وكُرة القدم بِقصّة غَرام أبديّة منذ بداية ظهورها في الصين، وتطوّرِها في أورُبّا نهاية القرن التاسع عشر.
مع بدايات القرن العشرين كانت كُرة القدم قد انتشرت في أغلب أنحاء العالم، وأسَرَتْ قلوب عُشّاقِها عِشقًا عابرًا للقارات، وبذلك تربّعت على عرش الألعاب الرياضية دون منازِع، يتشارك في حبِّها ومُشاهدتِها وممارستِها معظم الناس على اختلاف معتقداتهم وقوميّاتهم وأعمارهم ومستواهم الثقافي والاجتماعي، الأمر الذي جعل إقامة بطولات كُبرى لكُرة القدم على مستوى العالم مطلبًا جماهيريًّا دون أنْ تكون بديلًا عن الدوريّات المحليّة. بطولات تهفو إليها الأفئِدة المولِعة بِفنون اللعِب بِتلك الكرة الجلدية المملوءة بالهواء، والتي ستأخذ من غَوْر الزمن ألقابًا ملتصقةً بها إلى الأبد، هي (كأس العالم للرجال، كأس العالم للسيدات، كأس أبطال الدوري الأوربّي، بطولة الأمم الأوروبية، بطولة الأمم الآسيوية، بطولة الأمم الأفريقية، بطولة أمم قارة أمريكا).
ربّما الفترة التي تسبق مباريات كرة القدم هي الأكثر حماسًا، أمّا المفاجآت -نتائج غير متوقّعة- فهي الأجمل على الإطلاق، وذلك لعدم وجود فائِز دائم وخاسر دائم، فائِز اليوم مهما يكُن قوياً قد يخسر غدًا، وخاسِر اليوم مهما يكُن ضعيفًا قد يفوز غدًا، بمعنى أدقّ كُرة القدم لا تعترف بالتاريخ، كُل مباراة هي بطولة بحدِّ ذاتها لها ظروفها الخاصّة، وبالتالي تَوقُّع نتائج المباريات قبل موعِدها ضربٌ من الخيال، رغم ذلك تنشط مكاتب المُراهنات قبل كُل بطولة من بطولات كُرة القدم خاصًة كأس العالم.
من المُلاحظ أنّ جماهير كُرة القدم ليست جميعها بنفس الحماس أثناء متابعة أنشطتِها، هناك مشاهدون يتابعون المباريات دون التفاعل معها، كأنهم يتابعون مسلسلاً درامياً يمكن مشاهدته فيما بعد ولِعِدّة مرات، بينما عُشّاق كُرة القدم فيتنفّسونها كما يتنفّسون الهواء، يرَون فيها مُتعة حصريّة على شكل جُرعات متتالية من الأدرينالين، حتّى مشاعِر الإحباط التي يعيشونها إثرَ خسارة فريقهم هي مشاعِر مؤقتة، سرعان ما تتبدّد، ويعود الأمل بفوز فريقهم من جديد. ليس هذا فحسب بل إنّ المباراة التي عُرِفت نتيجتها لا تستحق المشاهدة بالنسبة لهم، لذلك تراهم يحضرون المباريات في الملاعب مهما بلغت ثمن التذكرة، أمّا غير المقتدِر فتراهُ يترك جميع مشاغِله جانبًا عندما يحين موعد المباريات المهمّة، ويتفرّغ لِمشاهدتها مباشرة عِبر الشاشة الصغيرة.
أثناء المباراة ينقسم الجمهور في الملعب والمشاهدون في المنزل إلى طرفين، أحدهما يعاني الشدّ العصبي الممزوج بالفرح وترقُّب نهاية المباراة في حال كان فريقهم متقدِّمًا بالنتيجة، والآخر يتمنّى تغيير النتيجة لمصلحة فريقه. أمّا صحوِة الطرفين من هذه السَكْرَة فلا تكون إلّا بعد انتهاء المباراة. هذا إنْ دلَّ على شيء فإنّما يدلُّ على أنّ مشاهدة الألعاب الرياضية وخاصةً كُرة القدم كانت ومازالت من أكثر الأنشطة الترفيهية شيوعًا في جميع أنحاء العالم،
من المُؤكّد أنّ نجاح أي بطولة رياضية يتوقّف على اللجنة المنظِّمة والدولة المُضيفة، ونجاح المباريات يتوقّف على خبرة ونزاهة الحُكَّام. رغم أهمية تقنية VAR في وضع حد لأخطاء التحكيم وتبِعاتها، خاصةً حالات التسلُّل ومنح ضربات الجزاء وتمثيل بعض اللاعبين السقوط نتيجة الاحتكاك المشروع مع اللاعب الخصم. إلّا أنّ أخطاء الحُكّام ستبقى -وإنْ كانت محدودة- طالما هناك عنصر بشري يدير تقنية الفار، بالطبع هذا لا يعني التقليل من أهميتها، فالتحكيم بعدها لم يَعُد كما كان قبلها.
من خلال ما سبق نجد أنفسنا أمام عِدّة تساؤُلات: هل كرة القدم جنون؟ أم فنون؟ أم الاثنين معًا؟! وهل يمكن للعالم أنْ يتوحّد يومًا ما على كُرة القدم؟ ما رأيكم؟