الممر‎ الاقتصادي.. الآفاق والتحديات

الممر‎ الاقتصادي.. الآفاق والتحديات

شيركوه كنعان عكيد

‎ قد لا يكون الحديث عن الأمور الاقتصادية بحثاً مشوقاً لغير المهتمين بها، لكنني آثرت أن أشير الى الدور الرئيسي والتأثير المباشر الذي تلعبه المصالح الاقتصادية بين الدول في إدارة دفة السياسة فيها. ولذلك سألقي بعض الضوء على مشروعين هامين كان لهما تأثير مباشر او غير مباشر لى مجريات الأمور على إقليمنا الحبيب، وهما مشروعا (الممر الاقتصادي) و(الحزام والطريق).
‎ يعدُّ مشروع الحزام والطريق الذي تقدمت به الصين عام 2013 أحد أكبر المشاريع الاقتصادية والجيو سياسية في العالم، وهو بطريقة ما يهدف الى إحياء طريق الحرير القديم والذي من المزمع أن يمر عبر عدد كبير من الدول في آسيا وأفريقيا وأوروبا. المشروع يتكوّن من حزام الطريق السريع، وهو شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية تمتدُّ عبر قارات آسيا وأوروبا، وطريق الحزام البحري.
‎ كانت تركيا إحدى هذه الدول التي سيمرُّ من خلالها الطريق كونها تعد بلدًا ذا أهمية استراتيجية كبيرة من خلال موقعها الجغرافي بين القارات الأوروبية والآسيوية والأفريقية، كما وقد سبق لها أن تبادلت بعض الاستثمارات والعلاقات التجارية مع الصين, لكن تركيا اتخذت في بعض الأحيان مواقف مختلفة تجاه الصين, وربما بشكل خاص فيما يتعلق بمشاركة إسرائيل في المشروع والتي يمر جزء من الطريق عبرها أيضاً، الأمر الذي خلق تأثيراً سلبياً على مشاركتها في مشروع الحزام والطريق الى حد ابتعادها او ربما استبعادها عمليا وان لم يكن بشكل علني ورسمي.
‎ لجأت تركيا بالمقابل في عام 2018 وكردّ فعل على ذلك الاستبعاد غير الرسمي الى طرح مشروع جديد هو مشرع الممر الاقتصادي بينها وبين العراق كمشروع بديل. وتم الاتفاق مع حكومة العبادي (بعد مباركة إيران التي تترقب حصولها على المنافع أيضاً) على العمل المشترك لإنشاء ذلك الممر بغية تعزيز التجارة والتبادل الاقتصادي بين البلدين، مع العلم انه لم يتم حتى الآن وضع المشروع قيد التنفيذ رغم أن العراق وتركيا يمتلكان علاقات تجارية مهمة،
‎ اصطدم هذا المشروع الطموح بعدة معوقات وتحديات حالت دون المباشرة به كالتحديات الاقتصادية في ظل ظروف اقتصادية غير مستقرة في كلا البلدين، ولا يفوتنا هنا ذكر الدور الإيراني في التأثير على أصحاب القرار في بغداد. بالإضافة الى كل تلك التحديات يأتي العامل الأهم وهو عامل انعدام الأمن والاستقرار.
‎ والسؤال المفصلي هنا هو ما اذا كانت تلك المعطيات تفسر العديد من الممارسات والتحركات السياسية والعسكرية سواء من قبل العراق ومن وراءها ايران ام تركيا وتفاهماتها مع العراق وايران معا حول مستقبل المنطقة وشعوبها؟
‎ ربما يتفق الكثيرون معي بأن ممارسات الحكومة المركزية في بغداد تجاه إقليم كوردستان إنما تهدف الى فرض سيطرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية عليه بغية تحييده وأضعافه بحيث لا يتمكن من لعب أي دور مهم في التأثير على مشروع الممر مستقبلاً، كونه وبالإضافة الى ما يمتلكه من موارد وإمكانات كبيرة، فإنه يقع في منطقة استراتيجية تشكل صلة الوصل بين العراق وتركيا، وبالتالي يمكنه أن يلعب دوراً حيويًا في تعزيز وتطوير البنية التحتية للمر الاقتصادي الأمر الذي تخشى حكومة بغداد أن يكون له تبعات غير مرغوبة بالنسبة لها، خاصة أنها تدرك تماماً أن قيادة الإقليم ستطالب وكما تفعل دائما بحقوق شعبها من منافع ومكتسبات ذلك المشروع الضخم، وهذا ما لا تحبّذه لا ايران ولا حكومة المركز كما يبدو. فهي لا تدخر جهداً في محاولات سلب مكتسبات الإقليم منذ البداية رغم أنها تصطدم دائما بذلك الجدار الصلب المتمثل في القيادة الفذة والرصينة في الإقليم والتي عملت وتعمل بكل ما أوتيت من الوسائل للحفاظ على مكتسبات شعب كوردستان بكل اطيافه.
‎ أما الطرف الآخر (تركيا) فليس من الصعوبة بمكان التكهّن بنواياها في تعزيز الأمن على حدودها مع العراق بأي شكل من الأشكال، ورغم أنها تعد أن عمليات استهداف حزب العمال الكردستاني إنما هي جزء من جهودها لتعزيز الأمن في المنطقة وحماية الأمن القومي التركي، لكنها لا ولم تصرح يوماً بأنها تسعى عملياً الى إزاحة احد اهم عوامل إعاقة مشروع الممر الاقتصادي المرتقب .ولذلك فان الترويج لعملية عسكرية تركية من قبل الأتراك انفسهم ليس مجرد بروباغندا أو تهديد وترهيب بل ان العملية المرتقبة هي حقيقة ستجد لها موطأ قدم على ارض الواقع عاجلا أم آجلًا.
بالنسبة لإيران فإنها، وكالعادة تتظاهر بانها تقف موقف المتفرج والمحايد فحسب، إلا أها في الواقع هي من تمسك بالخيوط الرئيسية للعبة في الميدان العراقي وهي من تحمل عصا التحكم لتوجيه لاعبيها الرئيسيين والثانويين في بغداد والسليمانية وغيرها، بحيث تضمن لنفسها أكبر قدر ممكن من المكاسب والمنافع والنفوذ في آخر المطاف.