«السلطان الأحمر»!!
علي جزيري
السلطان الأحمر، هو أحد ألقاب رجل الرعب عبد الحميد السرّاج، أطلق عليه لكثرة ما كان يتمسح في خطبه بـ «الاشتراكية»، مثله في ذلك كمثل من يرفعون هذه الأيام شعار «الديمقراطية»، وهم أبعدُ الناس عنها في الممارسة. وكان السرّاج يدعو أيضاً إلى حماية «الاقتصاد الوطني»، ومطاردة السوريين الذين كانوا يأتون بالسلع اللبنانية على ظهور الحمير ليلاً عبر الجبال الوعرة. ومن المفارقة أنه كان يشن حربه الإعلامية على الإقطاع، لكنه كان يسهر على موائدهم الزاخرة بكل ما لذَّ وطاب في العشايا...!
كان السرّاج مجرّد شرطي يقبع في كولبته لحراسة مدخل «بحسيتا» خلف باب الفرج بحلب، ويراقب المُتسلّلين إلى مضاجع بنات الهوى، وقد وقع في غرام إحداهن، وأسكنها في شقة بدمشق وكان يمضي الليالي في حضنها الدافئ، وحين أضحى من أرباب العزم تخلص منها، وتزوّج من ابنة أحد الأغوات، فصار عديل «غسان ذكريا» الذي أزاح الستار عن نجاسته في كتابه ذكريات «السلطان الأحمر».
يذكر غسان زكريا كيف رافق السيدة مَلَك زوجة السرّاج، وقادها إلى محلات «النحلاوي» الأغلى والأشهر في دمشق، كي تقتني أثاث شقتها التي أخذها زوجها من التاجر الكويتي البهبهائي. وحين أعجبت بقطع الأثاث المحفورة من خشب الجوز بأيدٍ ماهرة، سألت عن سعرها، فأجابها نصوح النحلاوي بأنها ليست للبيع، وجرّاء إلحاحها قال لها إنها في حدود ثمانين ألف ليرة سورية (وكانت ثروة طائلة في خمسينيات القرن الفائت)، ثم مضى النحلاوي لترتيب بعض المناضد، فانزعجت زوجة السرّاج لعدم اكتراث صاحب المحل بها، وقالت له: يبدو أن غسان لم يقل لك مَنْ أكون؟ فردَّ غسان زكريا: السيدة زوجة المقدم عبد الحميد السرّاج. سرعان ما شحب وجه النحلاوي وارتعدت أوصاله، وتوجه إليها على الفور قائلاً: كل المحل على حسابك يا سيدتي، رغم أنها محجوزة لشخص دفع ثمنها، وينوي أخذها فور إخلاء سبيله. بعد يومين كان أثاث عرس النقيب المعتقل في سجون السرّاج (مصطفى كمال المالكي) في منزل السرّاج... فما أشبه اليوم بالبارحة!!
تبوأ السرّاج رئاسة الاستخبارات «المكتب الثاني»، ثم وزارة الداخلية في حكومة «الإقليم الشمالي»، وأحال سوريا إلى سجن كبير حين أطلق أيدي جلاوزته لاعتقال السياسيين، ولاسيما أنصار الحزبين (الپارتي والشيوعي)، لأنّهما لم يرضخا للقرار التعسُّفي بحل نفسيهما.
ابتكر السرّاج وسائل تعذيب قلما تخطر على البال، فأوحى للجلادين بإذابة القائد الشيوعي فرج الله الحلو بالأسيد في مغطس الحمام، وبعد أن أغمي عليه جرّاء ضربات الشبيح «وجيه الانطكلي» لوحظ أن المغطس لا يتّسع لجسده، فلجأ إلى تقطيعه من الركبتين وإلقاء الأشلاء في الحوض وإذابتها. وشاءت الأقدار، بعد الانفصال عام 1961، أن يُلقى القبض على الانطكلي ويُزج به في السجن حتى قضى نحبُه، أما السراج فقد هرَّبته المخابرات المصرية إلى القاهرة عبر لبنان.
وفي ظل استبداد السراج، طالت الاعتقالات العشرات من قيادات وكوادر الپارتي، وفي مقدمتهم د. نورالدين زازا وعثمان صبري، وسيقوا إلى سجن المزة، ولم يطلق سراحهم إلا بعد انهيار الوحدة، كما أحيل الكثير من الضباط الكرد إلى التقاعد كرئيس الأركان اللواء توفيق نظام الدين الذي جرِّدَ من الجنسية في عهد الانفصال، والعقيد وجيه البرازي وآخرين.