المُنافَسة والمُقارَنة
محمد رجب رشيد
رغم الشبه الظاهر بين مصطلحِي المُنافَسة والمُقارَنة، إلّا أنّ الفرق بينهما شاسِع، لا يعني أحدهما الآخر بأي شكل من الأشكال، فالمُقارَنة تنحصر فقط بين الأشياء المتماثِلة من حيث الجودة.
ولكي تكون المتراجحة صحيحة والمُفاضَلة عادِلة لا بُدّ من أخذ الأسعار بعين الاعتبار. بينما المنافسة تكون بين الناس -أفراد وجماعات- على تحقيق الأُمنيات وكسب المَال والجَاه، وتُعتبر من أقوى الدوافع التي تتحكّم بِسلوك الإنسان الفرد وتحرِّكاته.
في مرحلة الطفولة تكون فطريّة إلى حدٍ كبيرٍ ضمن الأسرة الواحدة لِكسب رِضا وعطف الوالدين والحصول على الألعاب والهدايا، وفي مرحلة البلوغ تكون لتحقيق الذات بالدرجة الأولى، أمّا في المراحل اللاحِقة فهي عمليّة منظَّمة تهدف إلى تحقيق المكاسب المعنوية والمادية بِمختلف أنواعها.
تأتي أهمية المنافسة في إتاحة الفرصة لِكُل من يريد الصعود إلى قطار السِباق مع الآخرين لِبناء مجده المادي أو المعنوي بغضِّ النظر عن أصله وفصله. وكما نعلم كُل سِباق لا بدّ أن ينتهي بِغالب ومغلوب، مع مرور الزمن تتلاشى فرحة المنتصر، ويُنسى حُزن المهزوم، وحدهُ شرف المحاولة يبقى في الأذهان لاستخلاص الدروس وأخذ العِبر، وإعادة المحاولة تبقى متاحة للجميع متى شاء.
من المُؤكّد أنّ المُنافَسة خُلُق فطري يُولد مع الإنسان قبل أن تكون قيمة مُحفِّزة تخضع لِغريزة حُب البقاء.
خِلافًا لقول الله تعالى (خِتامُهُ مِسْكٌ وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسون) وخِلافاً للفِطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها، ولِلاستخفاف بعقول الناس ونشر الجهل وتكريس الكسل يدّعي الظلاميون مِمّن يسمّون أنفسهم رِجال الدين أنّ المُنافَسة شَرٌّ يُفسِد الأخلاق، واعتبارها قيمة أوربية غربية لا صِلة لها بالإسلام، وبالتالي لا يجب اتخاذها معيارًا للنجاح.
لعلّ البطولات الرياضية هي الشكل الأرقى للمُنافَسة الشريفة، حيث لا مكان فيها للتزوير أو التزاحم أو المحسوبيات، ويعود ذلك إلى الروح الرياضية والقواعد الصارمة المُتّبعة في تطبيق قوانين الألعاب بِدقّة من حيث التنظيم والتحكيم وإنزال أقسى العقوبات بِحق متعاطي المنشطات. يصِف الأسطورة ليونيل ميسي العلاقة بينه وبين الأسطورة كريستيانو رونالدو بالمنافسة الشريفة فقط، ولا يحبِّذ المقارنة بينهما.
إنّ المُقارَنة بين الناس من أخطر الظواهر السلبية التي تؤدّي إلى وأدْ روح المُنافَسة بين الناس، حقًّا هي سِلاح ذو حدين، كُل حد أخطر من الآخر، الحدُّ الأول يُولِّد الشعور بالدونية والإحباط، ويُؤجِّج مشاعر الحسد من الآخرين والحقد عليهم، أمّا الحدُّ الثاني فيغلُب عليه مشاعر الغرور، الأمر الذي يؤدي إلى كراهية الآخرين والتعالي عليهم والاستخفاف بهم.
لعلّ من أهم الأخطار المُحدِقة بالمجتمعات في الدول المُتخلِّفة عدم إدراك خطر المُقارَنة بين الأشخاص في مختلف مراحل العمر وخاصةً مرحلة الطفولة، لماذا لا نستبدِل المُقارنَة بالنجاح، ونتخِذه معيارًا للتّفاضل بين الناس، فالعامِل الناجح في عمله أفضل من المهندس الفاشل، والجندي الذي يُتقِن استخدام سلاحه أفضل من الضابط الجاهل، والمزارع الناجح أفضل من الإقطاعي الكسول، أمّا المدير الناجح فهو الذي يعطي صلاحيات للموظفين والعمال بحيث يكون كل واحد منهم مديراً في عمله، ويبقى الأخطر أن يُقارِن شخص ما نفسه بشخص آخر أفضل منه مالًا وجاهًا.
إنّ طبيعة الحياة في هذه الدنيا قائمة على التناقضات، وبالتالي لا بُدَّ من وجود تفاوت بين الناس في القُدرات العقلية والبدنية، لأنّ غاية الوجود ليست المُفاضَلة بين الناس، بلْ أن يُؤدّي كل شخص دوره في الحياة على أكمل وجه، ويُدرِك أنّ من حق الأدنى منزلة محاولة الوصول إلى الأعلى بالمنافسة الشريفة، ولكن من المُستهجن بل من المُعيب سلوك منافسة غير شريفة تحت شعار الغاية تبرِّر الوسيلة، عندئذ ستسود شريعة الغابة، القوي فيها يأكل الضعيف، متناسيًا بالوقت نفسه أنّ الذي يُشغِل نفسه بِهدم الآخرين قد لا يجِد وقتًا لبِناء نفسه.