هل تأثر البعث العربي بالفاشية والنازية؟

هل تأثر البعث العربي بالفاشية والنازية؟

حسن نبو

عرفت النازية بأنها أيديولوجية عنصرية صنفت البشر وفق درجات متفاوتة، حيث وضعت العرق الآري الجرماني في قمة الأعراق البشرية ، يتبعه البريطانيون وشعوب الفيكينغ القاطنة في أوروبا الشمالية، ووضعت اليهود والغجر والروس وعناصر بشرية أخرى في أسفل التصنيف، ورأت أن تحسين الجنس البشري يمرُّ عبر القضاء على المعوقين والمشوهين والشاذين جنسياً والأجناس البشرية الدنيا وهم كما سبق: اليهود والغجر والروس وغيرهم ممن وضعتهم النازية في أسفل سلم التصنيف .
رفضت النازية نموذج الدولة الليبرالية التي سادت في أوروبا منذ أواسط القرن التاسع عشر والتي قامت على الحرية الاقتصادية والحرية الفردية والحرية السياسية والديمقراطية البرلمانية التعددية، واستعاضت عنها بالدولة القائمة على الهيبة والعنف السياسي، والرقابة الصارمة على المطبوعات والصحافة ووسائل الاتصال الأخرى، ومنع وجود المعارضة، والحبّ الشديد للزعيم الأوحد ومنحه صلاحيات مطلقة في إدارة الدولة، ومنح البوليس صلاحيات غير محدودة لسحق اي مقاومة ومعارضة للايديولوجية النازية، وتربية الأطفال والشباب على الأفكار النازية من خلال منظمات خاصة للأطفال والشباب.
تشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن ضحايا النازية منذ استيلاء الحزب الاشتراكي القومي الألماني بقيادة هتلر على السلطة عام 1933 وحتى تاريخ القضاء على الحكم النازي سنة 1945 إلى أن النازيين الألمان قتلوا أكثر من خمسة وعشرين مليون شخص من اليهود والغجر والمعاقين والمثليين وجنود وأسرى القوات السوفييتية والبولنديين وغيرهم.
أما الفاشية، فرغم أنها أيديولوجية مختلفة بالاسم عن الأيديولوجية النازية، إلا أنها تعتبر الوجه الآخر للنازية
يمكن القول إن الفاشية تتقاطع مع النازية في أن كلتا الأيديولوجيتين رفضتا نموذج الدولة الليبرالية الكلاسيكية أو التقليدية، كما أن كلتيهما وضعتا الجنس أو العرق الآري في قمة الأجناس أو الأعراق البشرية، وطالبتا بالحفاظ على نقائه وعدم تلوثه بالأجناس الأخرى الواردة كاليهود والروس والروس .. وبالنسبة لقيادة المجتمع فإن كلتا الأيديولوجيتين آمنتا بأن قوة الحكم تأتي من الأعلى الى الأسفل، أي تكمن في قوة الزعيم وهيبته الذي سمي في المانيا (الفوهرر) وفي ايطاليا (الدوتشي)
وعن مدى تأثر حزب البعث بالنازية والفاشية سأستعرض على سبيل المثال أقوال بعض الباحثين والاكاديميين. يقول الكاتب العراقي "عبد الخالق حسين": إن حزب البعث هو نسخة مشوهة من النازية الهتلرية والفاشية الموسولونية، ويضيف: لقد مارس حزب البعث معاداة العناصر غير العربية مثلما عادى النازيون اليهود والغجر والشعوب السلافية وخاصة الروس، ففي العراق مثلاً تم ترحيل أكثر من مليون عراقي من الكرد الفيليين على أيدي البعث الفاشي بحجة تبعيتهم لإيران، بعد أن جُردوا من وثائقهم التي تثبت عراقيتهم، وقد أخذوا منهم حتى شهاداتهم المدرسية وإجازات السياقة، وصودرت ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة. ومنع النظام البعثي تعيين العراقي المتزوج من امرأة أجنبية في الوظائف العمومية، وشجّع الزوج على طلاقها، كما أن البعث خلق الزعيم الديكتاتور الذي يجب أن يمجّده كل الشعب ويدين له بالولاء، ويتظاهر بالحب له، ويستكمل: أن البعث هو النظام الوحيد الذي استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
ويقول الكاتب الكردي "صلاح كرميان" الحائز على شهادة الدكتوراة في فلسفة علم النفس: لقد تبنى حزب البعث مفهوم الاشتراكية القومية وفق مفهوم الحزب الاشتراكي القومي الألماني المعروف بالحزب النازي، وكما ادّعى الحزب النازي الألماني تفوق العنصر الآري على جميع الأقوام ورفع شعارات تمجيد الأمة الألمانية ووحدتها ووحدة الأراضي الألمانية وصنع الزعيم الديكتاتور الذي حكم ألمانيا بقراراته الفردية ونزواته الجنونية، وخنق بوحشية كل الأصوات المعارضة له، كذلك ادّعى حزب البعث تفوق الأمة العربية على غيرها من الأمم باعتبارها صاحبة رسالة خالدة، وصنع الزعيم الديكتاتور الذي حكم العراق من خلال قراراته الفردية، ومارس أبشع وأقسى أنواع القمع بحق كل من عارض قراراته ...
وقد أدلى الكاتب العراق "سيار الجميل" الذي يحمل شهادة دكتوراة في "التاريخ الحديث للشرق الأوسط" من جامعة "سانت اندروز" البربطانية برأيه حول التشابه بين البعث وبين كل من النازية والفاشية، حيث قال: لقد ترجم "زكي الارسوزي" و"ميشيل عفلق" و"صلاح الدين البيطار" وهم من مؤسسي حزب البعث جملة من الأفكار الفاشية الأوروبية، وأسسوا من خلالها حزب البعث العربي على غرار البعث الإيطالي، لترسيخ التفكير الفاشستي عربيًا باسم القومية العربية والذات العربية والرسالة العربية من دون أي شعور بالذنب، وقد نجحوا في ذلك من دون أن يعي الفكر العربي بأن واقعا فاشيا عربيا بدأ يقف على قدميه، ويكمل الدكتور الجميل: لقد وعى ساطع الحصري ذلك الغثاء الذي مارسه البعثيون ولكن بعد فوات الأوان، فقد انتقد الحصري ممارسات البعث الفاشي، علماً أن الحصري الذي قال بالعروبية والقومية لم يكن عربي الأصل، بل كان من أطراف ماردين كما تقول معلومات قديمة تعود الى ما بعد الحرب العالمية الأولى، ويضيف الجميل: لقد اكد الفاشيون العرب على الفكرة القومية الفاشية وتفوق (الأمة العربية) من دون احترام الثقافات المختلفة، وهذا ما فعله النازيون عندما ادعوا أن العرق الآري الجرماني يتفوق على جميع الأعراق الأخرى
ويختتم الدكتور الجميل: لقد استخدم الفاشيون العرب في كافة أنظمتهم السياسية أدوات القتل والإعدام والتهجير والتعذيب والملاحقات والتجسس والمخابرات وأسلوب الاغتيالات واستلاب العقول واختلاق الأزمات وتهييج العقول والخطب الرنانة ...الخ.
من جهته أجرى الباحث السوري أديب نصور الحائز على شهادة دكتوراة في الاقتصاد السياسي من جامعة اوكسفورد البريطانية مقارنات عديدة بين البعث وبين كل من النازية والفاشية، وتوصل الى نتيجة مفادها وجود تطابق بين البعث وبين النازية والفاشية في الأفكار والمنطلقات والشعارات، حيث يقول: إن إحياء الأمة العربية وإعادة ولادتها من جديد على أيدي حزب البعث هي ترجمة حرفية للفكرة النازية في إحياء الأمة الألمانية، وإن كتاب "ميشيل عفلق" "في سبيل البعث" هي نصوص مفككة وخالية من أي جهد نظري، كونها في غالبيتها خطباً حزبية منقولة بالنص والحرف من الأدبيات النازية والفاشية، ويضيف: إن ما جاء في الكتاب المذكور من قبيل القومية العربية والبعث قدر هذه الأمة لقيادة الجماهير ماهي إلا ترجمة حرفية لمقولة الفاشية قدر الأمة الإيطالية ولمقولة النازية قدر الأمة الألمانية.
وان القاعدة لدى البعث هي القاعدة نفسها بالنسبة للفاشية، وهذه القاعدة التي اعتمدت جزء من الطبقة المتوسطة في تجربة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، اعتمدت في التجربة البعثية على الطائفة ثم العشيرة ثم العائلة لتنتهي الى الفرد المطلق أو مبعوث العناية الإلهية ومحيطه الضيق من أصحاب المكانة الاجتماعية الضعيفة والتعليم البسيط ومنتهزي الفرص والوصوليين والذين يجدون أنفسهم عاجزين عن مقاومة إغراء المال والسلطة.
أن معظم الأحداث المأساوية التي عرفها تاريخ العرب الحديث يقول الدكتور نصور ارتبطت بالحركات القومية، غير أن ما ارتبط منها بحزب البعث كان أكثر دموية بسبب طبيعته الفاشية.