نوروز الاستثناء والحريّة في عفرين

نوروز الاستثناء والحريّة في عفرين

شيرزاد هواري

منذ أن وعينا كأبناء شعبنا الكوردي في غرب كوردستان عموماً ومنطقة عفرين(كورداغ) تحديداً لم نشعر بنكهة الاحتفالات النوروزية بشكل مشبع، فبقيت طاقتنا النوروزية مكمونة، كونها كانت تجري بطوقٍ أمنيّ عجيبٍ، وبحضور للجهات المختلفة الأمنية والتي كانت تتواجد على طرفٍ لمكان الاحتفال، وتقوم بإرسال عناصرها ورسائلها عبر وكلائها المعروفين من أطراف الحركة الكوردية أو كانت تراقب الوضع واضعة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها عبر دعوة مجموع الأحزاب لاجتماعات تمهيداً لقدوم النوروز والخطاب المفروض
لدرجة كانت المتهوّر هو من يسلّط الضوء على ظروف المعتقلين وشهداء النوروز تاريخياً بدءاً من سليمان آدي ووصولاً لشهداء الغدر الكوردي عبدالحميد زيباري وأمثاله أو أن يقوم برفع العلم الكوردي فوق عتبة المسرح وأحياناً كثيراً كانت الأفضلية لرفع العلم السوري البعثي شكلاً إجبارياً لدوام الاحتفالات فيما كان يلاحق رافعي العلم الكوردستاني.
نتذكر عشرات الاحتفالات التي رافقتها التهديدات والوعود بالانتقام وإلغاء البعض منها أو إطلاق الرصاص الحي بين المدنيين العزل كنوروز 1984 بموقع الكتخ لدى أداء الفنان المرحوم محمد شيخو لفقرته الفنية، ورغم ذلك كانت تشكل احتفالات نوروز تهديداً لعروشهم من أعلى هيكلهم لأصغر مؤسسة تتبع لهم حيث كان الاستنفار والاستعداد للمناسبة وتجهيزاتهم وتعليماتهم وفرزهم لعناصر حفظ النظام مع كامل جهوزيتهم على مقربة من أماكن احتفالات نوروز المجيد.
الخوف كان مرافقاً لذهابنا للاحتفالات لحين عودتنا منها وأحياناً يمتد إلى أشهر وسنين لاحقة نتيجة التخوفات من رجال الظل الذين يمتهنون كتابة التقارير بكل إخلاص للفروع حاملين الحقد والضغينة تجاه أبناء وطنهم لدرجة كانت حضور الاحتفال جريمة لدى السلطات المتعاقبة بل تهديداً للسلطة الحاكمة.
لم يكن نوروز يمضي دون اعتقالات ومناضلين يُزجّون بهم في الأقبية والزنازين إلا أن المناضلين الأبرار والأحرار كانوا دوماً في الطليعة بإيقاد شعلة نوروز وحضور الاحتفال رغم دفع الكثيرين منهم فواتير ثمينة بحياتهم بحرمانهم من التوظيف وممارسة المهن والتعليم إلى حد الفصل الوظيفي، وكانوا على الدوام القدوة الصالحة لدروب الكفاح والنضال الكوردي السلمي بسوريا.
الملفت، هذا العام، ما شاهدته منطقة عفرين من حفلات إيقاد شعلة نوروز بأغلب القرى وفوق قمم أغلب الجبال وممارسة كافة الطقوس النوروزية بشكل علني، والأهم دون خوف وتهديد من أحد يذكر، بل مشاركة فعالة من الشخصيات الاعتبارية لشركاء الوطن ناهيك عن العشرات من رسائل التهنئة.
كان نوروز عفرين رسائل تحمل معاني الثورة والحب والحرية والامتزاج بالطبيعة الخلابة لدرجة يمكننا الحكم عليها بنوروز الاستثناء والحريّة كوردياً.
قد يستغرب البعض من هذا الوصف، لكن هل فكرّ بفعل التباهي بالعلم الكوردستاني علناً من قبل أطفال عفرين وأهلهم؟
وماذا ستسجل تلك الصور في ذاكرتهم، وفي سجل انتمائهم القومي بالمقارنة مع الأعوام السابقة التي كانت الصورة أقرب للتشويه نتيجة مرافقتها بالظلم والخوف معاً ناهيك عن الملاحقات الأمنية على مدار سنوات للفرق الفلكلورية والفنانين وعرفاء مقدمي الإحتفالات وأغلب نشطاء نوروز
إلا إن نوروز 2024 كان أكثر من رسالة قومية ووطنية ومجتمعية قام بتأديتها أهلنا بكورداغ لحد لم نرها تقام بهذا الشكل والعنفوان والإرادة التي أثبتت صمود الكورداغي في أرضه التاريخية فصدّق الدكتور عبدالحكيم بشار حين وصفها "عفرين بالإستثناء "
أخيراً: لا يسعني إلا أن ألقي التحية والسلام على أرواح شهداء نوروز جميعاً، وأنحني لهم واعداً بالسير على دروبهم حتى تحقيق العدالة لقضيتنا والديمقراطية لوطننا سوريا في سوريا حرة لامركزية تسع الجميع.