جرائم الأنفال وحلبجة والكورد الفيليين.. جرح لن يندمل

جرائم الأنفال وحلبجة والكورد الفيليين.. جرح لن يندمل

الدكتور: حسن كاكي

الجريمة الهمجية ضد المدنيين هي جريمة وحشية ضد الإنسانية بصرف النظر عمّن يرتكبها، وفي ظل أي شعار أو نظام أو عصر والعقائد يجب أن تنحني إجلالاً للإنسان لا أن تقتله، كما أن العقيدة التي تبني نفسها بالقوة سرعان ما تزول، وسقوط الطاغية صدام وحزبه أكبر دليل على ذلك فقد أزيلت القاعدة المبدئية التي أسّس عليها نظامه وغيره من الأنظمة الدكتاتورية الشوفينية.
فقد تجرّع الكورد كل أنواع الإبادة والاضطهاد والتهميش وتعرّض إلى أبشع عملية جينوسايد في تاريخ البشرية ناهيك عن التطهير العرقي وهدم (4500) قرية فوق رؤوس ساكنيها بل أنهم تمادوا، واستعانوا بآية قرآنية (الأنفال) لإبادة الكورد حيث راح ضحيتها (182000 ) شهيد من الرجال والنساء والأطفال، ودفن العديد منهم وهم أحياء، وتم بيع وإهداء العديد من نسائهم الى شيوخ العرب، والى بعض الملاهي الليلية في مصر، وكان نصيب كورد الوسط والجنوب (الفيليون) أكثر ظلماً وتعسفاً لأنه تم التشكيك بأصالتهم العراقية والكوردية، وسحب منهم الجنسية العراقية بحجّة التبعية في سابقة خطيرة لم يشهد لها التاريخ وصادر النظام البعثي أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ورموهم خارج الحدود حفاة بعد أن حجزوا شبابهم وغيّبوهم.
في ذلك الوقت، اختار الإعلام العربي المتباكي اليوم على النظام المقبور الخرس التام، ولم يخرج أي رئيس دولة عربية أو عالم دين مسلم، واستنكر هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، وما كان أمام الكورد لخلاصهم إلا الاستنجاد بالأمريكان (الكفرة) على حد قولهم لإنقاذهم وحمايتهم من إخوتهم العرب المسلمين، ففرضت الولايات المتحدة مفهوم الأمن على منطقة كوردستان العراق.
والحقيقة التي باتت اليوم معروفة ومكشوفة من كل زواياها إن القوى المحتلة، وبغضّ النظر عن مسمياتها وأشكالها وأنماطها استخدمت كل ما تمتلكه من وسائل، ومن إمكانيات وبصيغ وأساليب مختلفة ومتنوعة لتجريد هذا الشعب الحي ذي التاريخ العريق من جذوره ومصادر إبداعه وتكوينه النفسي مستهدفة قطع الجسور بين حاضره وماضيه لإبقائه ضمن الحالة التي تكون فيها متلقياً لما يصدر، ويحدد له من أفكار وثقافات غريبة بعيدة عن واقعه وتاريخه وتراثه ليبقى يدور في دوامة التخلف، ويتعرّض للإحباطات والتمزُّق والتشرذُم، ومن ثم السيطرة عليه، ولكنهم كانوا يتعرّضون للفشل في نهاية الأمر لأن سر قوة الكورد تكمن في عمق أصالتهم وارتباطهم الصميمي بأرضهم وتاريخهم وبكونهم جزءاً من أمة عظيمة ظل محتفظاً بروح عدم الانصياع للظلم والتعايش عبر هذا التاريخ الطويل مع ويلات الحروب فرسخت في عقليته معاني ظلم الآخر، ونتائج عدم تقبل الآخر ومعاناة التهميش التاريخي للشعوب وأهمية الحياة في ظروف سياسية وإدارية تنسجم مع فكرة الحرية.
ولم يستطع الأعداء الشوفينيون انتزاع تلك الجذوة العارمة التي ظلت تتفاعل في نفوس وضمائر ووجدان أبناء الأمة الكوردستانية، تلك الأصالة العميقة التي ضربت جذورها في أعمق أعماق الأرض، فظلت بالرغم من كل ما أصابها من أضرار تستلهم العزم من تاريخها ومن إرثها، ومن الجوانب الروحية الراسخة في ضميرها لتواصل المقاومة، وتتصدّى للمحن والتحديات، وتسقط المحاولات التي استهدفت تاريخه وإرثه الحضاري ونزوعهم المشروع لاعتلاء المجد، حتى امتلكوا إرادتهم الحرة نتيجة نضال مرير خاضها رجال أشداء، وبدماء شهداء أبرار حتى سقط الهدف المبجل بصورة ساخرة مخزية، وانتشل أمام أنظار العالم من جحره الحقير ليساق هو ومَنْ معه من الطغاة والقتلة والمجرمين الى مزبلة التاريخ .
ستبقى جرائم الأنفال وحلبجة والبارزانيين والكورد الفيليين وصمةَ عارٍ على جبين حزب البعث، وعاشت كوردستان حرة أبية، ولتقر أعين ذوي الشهداء لأنهم هم الفائزون في النهاية ورب الكعبة.