هدر الزمن كارثة حقيقية
فرهاد شاهين
وأنا أراقب هؤلاء الذين فرضوا لحكم سوريا، كيف يهدرون الزمن تعمداً وتخطيطاً وغباء، لابدّ لي من مراجعة بسيطة لحقيقة ما يفعله هؤلاء.
لا اتحدت عن مفهوم الفلسفة الممل للزمن، وﻻ مفهوم الدين غير المحدد له، وﻻ مفهوم العلم المعقد. لكن أتحدث عن مفهوم الزمن حضارياً والمؤلم كثيراً لنا. فالشعوب المتحضرة تدرك أن للزمن قيمةً عظيمةً لا يمكن حساب مقدارها لما يشكّله من اعتبارات قياسية لإنجازات الإنسان في أمداء محدّدة تحسب بحسابات تعارفت عليها البشرية في مجرى تقدمها كالدقيقة والساعة واليوم والأسبوع والشهر والسنة ... وهكذا.
عندما يضيع الزمن لا يمكن تعويضه أبداً. والسبب في ذلك أن فرصاً كثيرة من الإنجاز والتقدّم الحضاري تضيع مع ضياع هذا الزمن، وﻻسيما إذا ما تمت المقارنة مع ما تحققه أمم أخرى ممّا خططت له من فرص للتقدّم في الزمن نفسه. وبالتالي ستكون الخسارة مضاعفة هنا، إذا ما انتبهنا إلى حقيقة التسابق الحاصل في عالمنا المعاصر بين الأمم والشعوب على سرعة الإنجاز.
في أعوامي الخمسين الماضية لاحظتُ أن عجلة التقدّم في بلدنا كانت تسير سيراً طبيعياً في الزمن، ولاسيما في بداية النصف الأول من القرن العشرين، أقصد من حيث نسبة الإنجاز الحضاري قياساً إلى الوقت المستغرق في هذا الإنجاز (آلاف من المشاريع أنجزت في عدد قليل من السنوات)
لكن، شيئاً فشيئاً بدأت عجلةُ الزّمن تتباطأ بحيث أصبح أي إنجاز حضاري يستغرق في بلدنا زمناً هو أضعاف ما يستغرقه في بلد آخر. ثم توقفت عجلة الزمن لدينا، فلم يعد هناك أي إنجاز يٌذكَر في أي مجال من مجالات الحياة. بل حلت الكارثة الكبرى عندما بدأ الزمن يتراجع إلى الوراء، وفي مجرى تراجُعه هذا بدأت تتآكل الإنجازات القديمة (المادية والروحية، العلمية والتربوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والحضارية عمومًا) وفي كل يوم تزداد سرعة تراجعه، ويزداد مقدار التآكل، وليس هناك أيُّ أمل منظور في أن عجلة الزمن هذه ستتوقف عن التراجع، أو تتقدم الى الأمام ولو بخطى بطيئة.
السبب في ذلك عندي هو الحكومات المتعاقبة التي حكمت بلدنا والتي تسببت في هدر الزمن بهذه الطريقة الكارثية، وضيّعت على بلدنا وإنساننا أية فرصة من فرص التقدم ...بل ضيعت علينا أعمارنا كلها.
فهل يعود الزمن؟ أم نستعير آلة ما لعودة الزمن كي نبدأ من جديد!!
إنها تساؤلاتُ حالمٍ في واقع مليء بالكوابيس كان أكثر إيلاماً للإنسانية المعذبة في وطننا الذي يمر بمرحلة الهدر الشامل بحيث لا قيمة للحضارة والبناء في ظل حكومات وقيادات قدمت من قعر التخلف والخرافة.