قادة المُصادفة.. وتحديّات المعرفة

قادة المُصادفة.. وتحديّات المعرفة

عمر كوجري

تشكّل أول حزب كردي في غربي كوردستان، حزيران العام 1957 على يد مجموعة من الشباب المتنورين، وفي زمن تنامي الوعي القومي في المنطقة، ولم يكن الشعب الكردي في غربي كوردستان بعيداً عن هذا التنامي والإحساس بأن من الضرورة تنمية الوعي القومي عبر مؤسسات مدنية في محتواها، وإثراء هذا التوجُّه والبدء بتشكيل الحزب السياسي.
بعد أن ازداد عدد الأحزاب الكردية بشكل كبير في غربي كوردستان جرّاء انشقاقات في مجملها لم يكن لها أي داعٍ، سوى إعادة تدوير بعض القياديين الذين رأوا في كرسي القيادة مكسباً «عظيماً» طفى على السطح بعض الأشخاص الذين كانوا أقرب للأمية، وهم بأميّتهم هذه أذوا ذواتهم، كما ألحقوا الأذى الكبير بالأحزاب التي أسسّوها، أو التي انشقت عن الحزب الأم.
لقد صار التوجّه والتخطيط والارتياح لأيّ قيادي كردي «بالمصادفة» أنه لن يُحرَم من منصب وكرسي القيادة الحزبية، طالما ليست هناك ضوابط خاصة بالعمل الحزبي، وفي ظل الفوضى العارمة.
لا ننسى أن أجهزة المخابرات السورية حينما كانت تعتقل بعض المناضلين الأوفياء والحقيقيين، وتزجُّهم في معتقلاتها لسنوات، في كل محاكمة صورية، كانت تساومهم على حريتهم والإفراج عنهم بالطلب منهم أن يقوموا بتكتلات مع رفاقهم ومناصريهم، وضمن منطقتهم، والتحضير لإحداث انشقاق في أحزابهم إن في محطات المؤتمرات الحزبية أو لأسباب جد واهية وضعيفة وحتى تافهة.
صار هدف المنتسبين لهذه الأحزاب التي تشكلت، وتولدت في غضون أيام قليلة، التحارُب المجاني من قبيل: من الشرعي؟ ومن اللاشرعي " أي المنشق"؟ وما عدد القياديين الذين ظلوا في حزبهم، وعدد القياديين الذين التحقوا بالحزب الجديد؟ كل ذلك في دوامة ألحقت أفدح الأضرار بالحركة السياسية الكردية ككل، وأجلت الكثير من أهدافها، ولم تنجح إلا في حدود ضيقة.
لأنه لم تكن هناك ضوابط حازمة جازمة كما أسلفنا، فقد دخل قيادة بعض الأحزاب الكردية أشخاصٌ أميون بالواقع والحقيقة، هؤلاء الأميون كانوا يتوجّسون خيفةً بل رعباً من الشابات والشباب الكرد الجامعيين، فحاربوهم، وحاصروهم في زوايا ضيقة، كأن يعيّنوا – عن قصد- شخصاً أمياً يشبههم مسؤولاً عن مجلس مؤلف من شهادات جامعية عالية، كلُّ ذلك ليحرضوا هؤلاء الشباب المثقفين والمتسلحين بالعلم والمعرفة بمغادرة حزبهم ذاك، وإفساح المجال لأولئك الأميين للنجاح في المحافل الحزبية من مؤتمرات وكونفرانسات ومحطّات "شرعية"، ولم يكن بال هؤلاء الشباب طويلاً، فقد غادروا بلا رجعة!!
إن كان يصحُّ للقيادي الكردي قبل سنوات منصرمة كونه كان «يناضل» في أطراف قريته البعيدة، الآن، الوضع مختلف، ولا يجوز أن تستمرَّ هذه العقليات المريضة ضمن جسم المؤسسة السياسية الكردية في غربي كوردستان، يجب أن تتوفر اختيارات واختبارات صارمة ودقيقة لاختيار القيادي في أيِّ حزبٍ كرديٍّ، بحيث يمنع أي شخص الترشُّح لمنصب القيادة مالم يكن حاملاً شهادة البكالوريا على الأقل، ومنح الأفضلية للشهادات الجامعية.
العصر الحالي.. عصر المعرفة بامتياز، ولا مكان ولا مجال للأميين بستنُّم مناصب ليسوا أهلاً لها، وتحت أية ذريعة كانت، ويجب أن ينتهي زمن قيادات المصادفة لتُصدق نوايا الخيّرين ضمن الحركة الكردية.