مستجدات الصراع الدولي من أجل النفوذ

مستجدات الصراع الدولي  من أجل النفوذ

فيصل نعسو

أبديت الرأي فيما سبق حول سير الصراع العالمي بين الدول الكبرى من أجل أجنداتها الجيو- سياسية و مصالحها الاقتصادية – الاجتماعية والعسكرية على النطاق العالمي، وفي الشرق الأوسط . إلا إن ما يهمنا هنا بشكل رئيسي أدوارها المختلفة في كوردستان عامة و في سوريا وكوردستان روجآفا (كوردستان سوريا) خاصة في اللحظة الراهنة .
يبدو واضحًا للعيان أن حرب روسيا وحليفتها الصين ضد حلف الناتو بقيادة أمريكا والاتحاد الأوروبي معًا على أراضي أوكرايينا قبل أكثر من سنة، غيّرت ميزان القوى على الساحة الدولية، وساهمت بالبروز التدريجي لعالم متعدد الأقطاب. إذ لم تعد أمريكا وحليفاتها التحكم بمفردها في اتخاذ القرارات المصيرية للدول والشعوب، وفرض سياسة الأمر الواقع عليها من خلال تهديدها بالعقوبات وحياكة المؤامرات ضدها من أجل تغيير سلوك ونهج حكومات تلك الدول ليتلاءم مع استراتيجياتها وسياساتها، بعد انهيار ما يسمى بدول المعسكر الإشتراكي في تسعينيات القرن للماضي، وهذا ما يلاحظه المرء فعليا على أرض الواقع .
سوف يزداد الصراع حدة بالتدريج، وربما يصل إلى المواجهة العسكرية المباشرة بين المعسكرين المتناقضين لبعضهما البعض في كافة بقاع العالم . لكن ذلك لن يحدث . لماذا؟ لأن ميزان القوى الاقتصادية والعسكرية لكليهما يكاد يكون متساويا ، باستثناء تفوق أحد منهما على الآخر في مجالات اقتصادية وعسكرية معينة . لكن تجدر الإشارة بهذا الشأن إلى أن القطب الغربي الأوحد المنتصر بزعامة أمريكا في الحرب الباردة في ال 30 سنة الأخيرة، لن يتخلّى بسهولة عن هيمنته وامتيازاته وأرباحه لقطب آخر تتزعمه روسيا والصين، أو أقطاب أخرى تتشكيل في الشرق الأوسط و أفريقيا و أمريكا اللاتينية تتحالف معا لمواجهة القطب الغربي الأوحد للحد من فرض قيمه و مبادئه وأنماط حياته، المنافية في أغلبها، لما هو متعارف عليه لدى مختلف شعوب العالم .
بصرف النظر عن مدى الموافقة أو الاختلاف مع سياسات واسترتيجيات هذا القطب (المعسكر) أو ذاك ، ومستوى تطور القوة الإقتصادية والعسكرية بالنسبة لأحدهما على الآخر، يتبلورالآن بكل وضوح وبالتدريج تكوين قطب شرق-أوسطي (عربي + إيراني + تركي) غير منسجم مع السياسة الإسرائيلية والقطب الغربي . لكنه قريب من القطب الروسي- الصيني و الهندي نوعا ما (مساعي تلك الدول الإنضمام إلى مجموعة بريكس أو تحالف شنغهاي) ولعل المثال الحي على ذلك، هو فشل تكوين ناتو إسرائيلي- عربي بمبادرة القطب الغربي الأمريكي ضد إيران، حيث تصالحت الدول العربية معها ومع الحكم في سوريا لاحقاً عبر وساطة روسيا والصين.
لهذا يجب على الكورد أن يأخذوا هذا التغيير الجذري في استراتيجية تلك البلدان بالحسبان .
إزاء هذه التغييرات المستجدة الجارية الآن خطوة تلو الأخرى في ميزان القوة الاقتصادية والعسكرية...الخ على الساحة الدولية، وعلى الأخص في الشرق الأوسط ما هي الإستراتيجية والسياسة الواجبة تبنيها من قبل الأحزاب والقوى والشخصيات المؤثرة الكوردستانية ، ولا سيما في روجآفا كوردستان، كي لا نقع في الأفخاخ المنصوبة لنا للوقوع فيها؟
إذن ، يجب الأخذ بعين الاعتبار (وأخص هنا بالذكر قادة وكوادر أحزابنا بمختلف أطيافها الفكرية )عند طرح أي شعار أو تبني أية سياسة تتعلق بحق الشعب الكوردي في تقرير المصير(الحقوق الثقافية والإدارية والفيدرالية.... الخ) في كوردستان عامة وكوردستان روجآفا خصة، أن نعرف مستوى فهم شعبنا الكوردي لهذا الشعار أو تلك السياسة، ومدى استعداده للتضحية من أجله، لأن تحديد تلك المسائل تساعدنا في الوصول إلى تحقيق ذلك الشعار وتطبيق تلك السياسة، وتجنبنا الكثير من الأخطاء التي ارتكبناها ، والتضحيات الجسام التي قدمناها عبر تاريخنا الطويل . كما أن هذا يفرض علينا الإستعداد لاتباع وسائل متعددة في النضال ضد أنظمة الحكم الغاشمة لنيل تلك الحقوق في الدول المجزأة لكوردستان.
إضافة إلى ذلك، يجب ألا يغيب عن بالنا مصالح وأهداف الدول الكبرى - قطب أمريكا وحلفائها، وروسيا والصين وحلفائهما عالميا، وتركيا وإيران وإسرائيل إقليمياً، ومصر والسعودية والجزائر ذات التأثير عربيا - المتناقضة والمعادية لبعضها البعض، وكذلك لحقوق شعبنا الكوردي في تقرير المصير، كما يجب أن نعلم علم اليقين ما يخطط له نظام الحكم في سوريا والعراق بالتنسيق مع تركيا وإيران حول الحلول المطروحة للمسألة الكوردية على الساحة الدولية في اللحظة الراهنة. انطلاقاً من ذلك، الحذر ثم الحذر من الوقوف إلى جانب أحد الأقطاب ضد الآخر دولياً وإقليمياً ومحلياً، وكما أثبت تجاربنا التاريخية المريرة أننا دفعنا أثمانا باهظة نتيجة تلك المواقف.
إذ سرعان ما تخلوا عنا ما سُمّيوا أو ما يُسمّون الآن "بالأصدقاء" حينما اتفقوا على تقاسم الكعكة فيما بينهم ، ولف ظلام دامس على حق شعبنا في تقرير المصير لأمد طويل.وفي حال الوقوف البعض منهم في زمان و مكان معيّنيْن إلى جانب هذا الحق ، فإنه كان دفاعا عن استراتيجيتهم الجيو- سياسية وأهدافهم الاقتصادية والعسكرية ضد المنافسين لهم في الإقليم . وهنا على سبيل المثال لا الحصر(يقول التحالف الدولي ان وجوده في الإقليم ؛ في سوريا و العراق لمحاربة داعش فقط . كما سأل احد الإعلاميين الكرد سفير ومندوب أمريكا السابق ج . جفري في الشرق الأوسط عن حديث وزير خارجية روسيا لافروف، بأن أمريكا تريد إقامة دولة كوردية في شمال شرقي سوريا. أجاب المندوب الأمريكي بغضب وقال إنه كذاب.
لهذا الأسباب مجتمعة، لا سبيل إلى حل عادل وممكن لمسألة حق شعبنا في تقرير المصير (كالفيدرالية والكونفيدرالية و ما شابهها) حسب البنود والمواثيق الدولية ، إلا بتقارب القوى الرئيسية الحالية على الساحة الكوردستانية من أحزاب ، و منظمات مجتمع مدني فعلي وشخصيات وطنية ، و رجال فكر مستقلين في كوردستان عامة و في روجآفا كوردستان جزئيا ، بصرف النظر عن وجود الخلاف و الإختلاف الحزبي و الفكري و الأيديولوجي السائد بيننا ككورد ، هذا من ناحية . و من ناحية أخرى ، البحث عما هو مشترك وعام بيننا، والإستعداد لقبول الرأي الآخر المعارض ، من خلال إيجاد حلول وسط للمواضيع الجوهرية المرتبطة بالكوردايتي والكورد بروري .
خلاف ذلك، ينتظرنا المزيد من الاهوال والنكبات، ولا سيما في هذه الأجواء العالمية المتوترة، والصراع المرير الحاد بين مختلف الأقطاب.