أم السياسات؟

أم السياسات؟

علي مسلم

دائماً وأبداً كانت الحروب هي الأداة الحقيقية لرسم وتأطير حدود المصالح، بالتوازي والتطابق مع مصالح المنتصرين فيها، سواء كانت الحروب أهلية داخلية، أو عالمية عابرة لحدود الدول والتحالفات الدولية، ولأنّ الحروب في حقيقتها ظاهرة سياسيّة لذلك فهي مرتبطة حكماً بمصالح تَدعو المتحاربين للّجوء إليها حين الحاجة، وإذا أجيز في يوم من الأيام أن تنتهي الحروب، فهي قد تنتهي عند حدود انتهاء المصالح، لكن حينها لن نكون أمام حالٍ تتحرّر فيها السّياسة عن سلوك العنف والحرب، بل أمام حالٍ تجوز تسميتها بحالِ نهاية السّياسة وبالتالي نهاية المصالح، وهذا محال وفق جدلية وتعقيدات تطور ذاتية المصالح ؟
وغالباً ما تكون الغايات الحقيقية مغيّبة مع بداية شن الحروب، وبالتالي تأتي النتائج مبهمة إلى حدّ ما، ولاسيما لأولئك الذين يقفون على رصيف الحروب، لكنها تفصح عن غاياتها الحقيقية بالتزامن مع سياقات تطوُّر المصالح، فالحرب العالمية الأولى على سبيل المثال ألغت كيانات سياسية كانت قائمة، وانتجت كما رأينا كيانات لم تكن موجودة، بدورها أفرزت الحرب العالمية الثانية كيانات، وألغت كيانات أخرى، لكن النتائج بالمطلق جاءت وفق ما اقتضتها مصالح الدول المنتصرة، ولا بدَّ من الإشارة إذاً أن لا حروب بدون مصالح، لذلك من العبث البحث عن مصالح أو مكاسب بين ركام الحروب الدائرة من حولنا دون الخوض في أتونها؟
من جانب أخر قد تحتاج الدول الفاحشة الثراء إلى شنّ الحروب وهي بعيدة عن ميادين الحروب ذاتها، وذلك عبر وكلاء لغرضٍ آخر وهو تحصيلُ مصالح جديدة مثل احتلال أراضٍ الغير وضمّها، أو المقايضة بها مقابل مَغْنم، أو مكسب سياسي، فطالما أن المصالح تتولد بالتزامن مع التطوُّر الصناعي، فثمّة حاجةٌ دائمة لشن الحروب هنا أو هناك، ولا يهمُّ حجم الدمار الناتج طالما أن المصالح تكون مصانة في نهاية الأمر، وفي هذا السياق لا بد من القول أن بعض الدول صاحبة النفوذ تلجأ إلى تهيئة الأجواء الدولية لشن الحروب عبر قوننة استخدام قانون القوة المتمثل بمفهوم الدفاع عن النفس، أو حماية الأمن القومي، وما الى ذلك من مفاهيم تخفي خلفها نوايا توسعية تخدم في نهاية المطاف مصالح تلك الدول، وبالنظر إلى أن مصالح الدول تكون على الدوام خاضعة للتفسير من قبل حكامها بحسب ما يناسبهم، فإن الحروب هي دائما ظاهرة لا مفر منها.
لهذا يمكن القول إن الحروب هي أمّ السياسات والمصالح؟