كوردستان سوريا.. بقرة حلوب!!

كوردستان سوريا.. بقرة حلوب!!

جان كورد

كتب الزعيم العمالي عبد الله أوجلان أخيراً بأن عيد ميلاده هو عيد ميلاد الشعب الكوردي (!)، دون الاهتمام بعراقة تاريخ ميلاد هذا الشعب، الذي يعود إلى بداية هبوط الانسان من سفينة النبي نوح (عليه السلام)، من ذرى جبل "گودي – جودي"، إلى سهول بلاد الرافدين، قبل آلاف السنين، واختزله بتاريخ ميلاده الذي لا يتجاوز ال62 عاماً...بمعنى أن هذا الشعب لم يكن شيئاً مذكوراً، لولا ظهور السيد أوجلان هذا.
وضعت حركته التي تشكّل "بداية تأريخ شعب!" والتي ليست في الحقيقة حركة عمالية، وانما نجمت عن مجموعة طلابية، الأرياف الكوردية هدفاً لاجتذابها، حيث لم تكن توجد في كوردستان معامل ولا طبقة عمالية بالمعنى الماركسي الكلاسيكي، ومنها أرياف كوردستان سوريا الفلاحية، التي صارت مع الأيام عمقاً استراتيجياً لنشاطه في شمال كوردستان، ومصدراً مالياً هاماً، وطاقة بشرية عظيمة لبناء القوات القتالية، بالنسبة إلى المناطق المحيطة لمسقط رأس السيد أوجلان ذاته. ولكن الزعيم اعترف فيما مضى بنفسه أن هذه المجموعة تعرّضت منذ البداية إلى اختراقات مستمرة للاستخبارات التركية، حتى أن زوجته (كسيرة كانت "عنصر أمن تركي!"، تعيش في كنفه ك"الأفعى" التي تلدغ)، وكانت سبباً لاعتقال العديد من كوادر مجموعته الثورية الشابة آنذاك حسب قوله للصحافي العربي نبيل الملحم في حواره الشيّق (سبعة أيام مع القائد آبو). ومع ذلك اقترن بها "لذكائه!" كما قال. ومع الأيام وصل عدد الذين تم تصفيتهم لأسباب "أمنية" في حزبه إلى المئات من المقاتلين والقياديين ومن في أيديهم أجهزة الحزب ومخابرات الحزب وأجهزته الاعلامية ولجانه للعلاقات الدولية...وسلسلة الذين قتلوا بأمر من أوجلان نفسه مرعبة بالتأكيد. بل اعترف أحد رفاقه قبل اغتياله في الجزيرة السورية، كان سجيناً لفترة طويلة في تركيا، بأن حزبهم العمالي هذا قد قتل مجموعة كبيرة من المقاتلين الكورد السوريين ثم أعلنهم "شهداء للثورة والقائد أوجلان"، ولاحاجة لتبادل التهم هنا فاعترافات القائد وأنصاره الكبار في هذا المجال خطية وتشكّل عبئاً تاريخياً ثقيلاً على أكتاف الناجين منهم حتى الآن.
والملاحظ أن عدد "شهداء الحزب" من الشبان الكورد السوريين في تزايد، وتنشر لوائح بأسمائهم بين الحين والحين، وسط الأهازيج واطلاق الشعارات والزغاريد، بل والرقص وأداء القسم على الولاء للقائد الأبدي، بحيث تشبه طقوسهم ما تقوم به القبائل البدائية في غابات الأمازون أو في القارة الأفريقية، وليس حسب الشرائع التي يؤمن بها الشعب الكوردي، وهي الإسلام أو اليزيدية أو المسيحية أو اليهودية أوالزردشتية، التي لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض في طقوسها بصدد الاموات.
هناك تناقض في كل ما كان يقوم به حزب العمال الكوردستاني تجاه قضية الشعب الكوردي في سوريا، وما يقوم به وليده حزب "الاتحاد الديموقراطي" الذي يطالب في برنامجه المنشور ب"حل كونفدرالي!" لقضية الشعب الكوردي في سوريا، ولكنه يرفض تسمية نفسه بالكوردي او الكوردستاني، مثل بقية مؤسسات حزب العمال الأخرى، التي تفضّل اسم "ميزوبوتاميا" بدلاً عن "كوردستان"، وترفع علماً شبيهاً بالعلم التركي (لون أحمر في وسطه نجمة صفراء عوضاً عن الهلال) بدلاً عن العلم القومي الكوردي (أحمر، أبيض، أخضر، وشمس ساطعة في الوسط) المعترف به من قبل سائر التشكيلات السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية الكوردية في العالم كله (ماعدا توابع حزب العمال)، وتستخدم اسم (الكريلا) بدلاً عن اسم (البيشمركه)، ولا ينشد مقاتلوها نشيد (أي رقيب) الكوردستاني... وهذا التناقض كان في موالاة حزب العمال التامة للنظام السوري في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، هذا النظام الذي يدّك كل أسس ومقومات بقاء الوجود القومي لشعبنا الكوردي السوري، حيث كان الأسد هو الزعيم الوحيد الذي لم ينتقده القائد أوجلان ولو بكلمة واحدة، في كل خطبه ومقولاته، بل كان يعتبره أفضل وأهم شخصية في العالم، وتزلّف إليه وإلى حاشيته وأقربائه باستمرار، وكان يدفع لهم أموالاً طائلة ويهديهم أساور الذهب التي كانت نساء الكورد السوريين وفتياتهم يتبرعن بها من أجل "الثورة" وليس لآل الأسد. فالذي يعمل من أجل تحرير الكورد وكوردستان ويرى نفسه أشجع الثوار وأقدر السياسيين وأعظم المحاربين، بل يشبّه نفسه بالأنبياء المرسلين، ويرتفع به أتباعه إلى مقام الآلهة، لايضع نفسه في مأزق يضطر فيه إلى مثل ذلك التملّق الغريب لرئيس فاشل ودكتاتورية بعثية حاقدة على الكورد وكوردستان.
البلاهة هنا تكمن في مواقف بعض المثقفين الكورد السوريين، ومنهم أصحاب أقلام عديدة مثل (هوشنك أوسى، عمر أوسى، طارق حمو، نواف خليل، ابراهيم مصطفى غابان) وغيرهم من الذين أخفوا أنفسهم تحت لحافات الحركة السياسية الكوردية السورية، وكانوا يقرأون بشكل جيد ما يقوله قائدهم الأبدي بصدد حكم الأسد وما يقوم به من خدمات لنظام البعث، وبخاصة قوله بصدد الوجود القومي الكوردي في سوريا الواضح الجلّي، ولكن بعضهم مزّق الستائر ولجأ إلى أوربا وراح ينتقد بجرأة، في حين لم يتمكّن بعضهم حتى الآن من التبرؤ من هكذا مواقف غير صحيحة وتعتبر خيانة لقضية الشعب الكوردي بكل وضوح: (بالنسبة لسوريا، فإن غالبية الشعب الكوردي في سوريا قد نزحت من كوردستان الشمالية...البعض يروّج لمقولة كوردستان سوريا، إن هذا الطرح ليس موضوعياً، وهو ليس مفهوم دقيق، التسمية الأصح هو أن نقول عنهم (الأكراد السوريون)، فهؤلاء قد فرّوا من ظلم واستبداد العثمانيين والجمهورية التركية، نتيجة مشاركتهم في الانتفاضات التي اندلعت في كوردستان...) ثم يتابع (...لقد لجأ قسم منهم إلى المناطق الجبلية في عفرين والتي سميّت ب"جبل الأكراد"...) ويقول (المهم أنهم أقلية!) كما يكرر ثانية بحيث لايدع مجالاً للظن بأنه وقع في الخطأ سهواً: (أما بالنسبة للأكراد فإنني أستطيع التأكيد أنهم أتوا من شمال كوردستان...وفي بداية مجيئي إلى ساحات الشرق الأوسط، قلت: يجب وقف الحملة باتجاه الجنوب، والتحضير لحملة الشمال) ص 168... فماذا يعني هذا القول الذي يصدر عن "القائد الأبدي؟": (لقد بدأنا بحملة وبنضال شاق وطويل في هذا الاتجاه، ووجهنا الأكراد السوريين إلى الجبال باتجاه الشمال من حيث أتوا، وأعتقد بأن سوريا راضية عن هذا، وأن الأكراد راضون أيضاً!) ص 169 فهل يشرح لنا أحد هؤلاء المثقفين الذين لم يدعوا معارضاً لهم، إلاّ واتهموه بالخيانة، ماذا يعني قائدهم بهذه العبارات البسيطة؟
نعم، لقد وجهوا شباب الكورد السوريين، صوب الشمال وقلوبهم تنبض، ولكنهم أعادوهم جثثاً ثقبها الرصاص، ولا ندري أهو رصاص الجنود الترك أم الرفاق الابوجيين.
طبعاً سوريا راضية عما كان يفعله حزب العمال الكوردستاني في سوريا، وما يفعله حزب "الاتحاد الديموقراطي" حالياً، فالعمل على ارسال أجساد حيّة إلى شمال كوردستان والعودة بها جثثاً بلا حياة، أو تركها للوحوش والضواري أو لكي يمثّل بها أحفاد "الذئب الأغبر" الطورانيين، سيرضي نظاماً كالنظام السوري الذي يريد انهاء الوجود القومي الكوردي في سوريا، ويغتال جنودهم أثناء الخدمة الالزامية، ويحرم عوائلهم من أسباب العيش وحتى من بطاقات التموين بسبب (سحب الجنسية من الآباء والأجداد القادمين من أنغولا أو موزامبيق!!!)، ولكن أن يقول أحدهم بأن "الأكراد راضون أيضاً" فلا بد أنه لم يقل الحقيقة أو أنه يقصد ذلك الجيش من العملاء والمثقفين المرتزقة والجحوش ومن يسمّون أنفسهم ب"فرسان صلاح الدين" في خدمة البيت الأسدي، دون أن يعلموا بأن هذا البيت يعتبر "صلاح الدين" عدوهم التاريخي اللدود لقضائه على الدولة الفاطمية في مصر. وقبل هذا الكلام الأوجلاني الصريح عن كوردستان سوريا والأكراد السوريين، قال (القائد!) هذا الكلام أيضاً:(... سابقاً كنا نحن نقول أيضاً: كوردستان مستقلّة وموحدة، والآن فإن ما أفهمه أن تقسيم كوردستان هو شيء جيّد) ص 133 فبالله عليكم أيقول كوردي يؤمن بالكورد وكوردستان مثل هذا الكلام؟ حتى الجحوش والكوي قوروجي وأذناب الباسداران الذين كانوا يقاتلون ولا زالوا يحاربون الشعب الكوردي يتفادون النطق بمثل هذا الكلام.
ولكن على الرغم من أن قائداً كهذا اعتبر تقسيم كوردستان شيئاً جيداً لاستطاعة قواته من تجاوز الحدود العراقية – التركية، كما ذكر هو بنفسه في ذات المقابلة الشهيرة، وأنه تنكّر للوجود القومي للشعب الكوردي في سوريا، وجعله مجرّد "أكراد سوريين لاجئين جاؤوا من تركيا" في غالبيتهم بحكم علاقات تبعية للنظام الحاكم في سوريا، وعلى الرغم من أن حزب العمال الكوردستاني أخذ من شباب الكورد السوريين الالاف (باتجاه الشمال)، وضحّى بكثيرين منهم، في وقت تمتلىء فيه المدن الكوردية الشمالية بالشباب الكوردي الذي يخدم طوعاً في الجيش التركي وينشد الأناشيد المبجلة لأتاتورك كل صباح ومساْ، فقد تمكّن من تحويل المناطق الكوردية السورية إلى بقرة حلوب، يشترك مع النظام في امتصاص حليبها الغزير، من آلاف التنكات من زيت الزيتون الجبلي الشهير، وآلاف الأطنان من القمح الجزراوي والذهب الأبيض (القطن)، و البترول والغاز، حتى جلود ضحايا العيد من الغنم والماعز، إضافة إلى ملايين الليرات السورية شهرياً عن طريق جمع رسوم العضوية الحزبية والتبرعات التي شملت أساور الذهب وأقراط الأذن وقطع السلاح، وأكوام الثياب، وكل ما يمكن أن يباع في الأسواق، من قبل حدوث الاحتلال التركي الحارق والجارف، ، شراكة بين "الثورة" وسماسرة جمع المال والسلاح من الحزبيين وغيرالحزبيين الذين كانوا يملؤون جيبوهم بحصة 5% أو 10%، ورجال المخابرات السورية والزعماء القابعين في "قرداحة – كورداغه سابقاً" أو دمشق. بل تمكّن حزب العمال من زجّ مئات الألوف من الكورد السوريين في صراع ضد الحركة السياسية الكوردية التي كانت ولا تزال ذات مطالب متواضعة بالنسبة لمطلب (الاستقلال!) الذي كان يرفعه أنصار حزب العمال جهاراً ونهاراً في أحياء حلب ودمشق، دون اعتراض من السلطات الرسمية وغير الرسمية.
بعد أن قلب النظام السوري للآبوجيين ظهر المجن، بطلبه من (القائد الأبدي!) الخروج من سوريا، بسبب التهديد التركي باحتلال اجزاء شمالية من سوريا، تأسس حزب "الاتحاد الديموقراطي" على أيدي ثلّة من كوادر كورد سوريين في قيادات حزب العمال، للتأقلم مع التطورات الجارية، ومنها التغيّر النوعي في عقلية وسياسة وأوامر "القائد الأبدي!" الذي كان أهم ما قاله في الطائرة التي أقلّته من مخبئه في كينيا الأفريقية (بدلاً عن جبال كوردستان) هو: (دعوني أعيش فإن أمي تركية وسأقدم خدمات جليلة للجمهورية التركية!) أو شيئاً من هذا القبيل. إلا أن حزب العمال الكوردستاني اغتال تلك الكوادر التي رفضت هذا النهج الجديد، ومنهم أحد أخلص الناس للقائد الأبدي (كاني يلمز) والذي كان مرشحاً لأن يكون له دور هام مستقبلاً، وأبعد بعضهم كشقيق السيد أوجلان نفسه الذي اعترف بأن أخاه انزلق إلى أحضان الدولة التركية، واغتال الكوادر الهامة من الكورد السوريين ومنهم مؤسسو وقادة حزب "الاتحاد الديموقراطي" ذاته، كمال شاهين، الجنرال جكدار، وكذلك حسين محمود عباس من حركة الوفاق المنبثقة عن الاتحاد الديموقراطي فيما، وغيرهم، كما طارد عدة كوادر قياديين منهم، ليس في سوريا فحسب، وانما في الدول الأوربية أيضاً. وانتقل حزب "الاتحاد الديموقراطي" إلى انتهاج سياسة مؤقتة مفادها أن ما جرى قد جرى، وعلينا أن نفتح صفحة جديدة ل"التآخي الكوردي" و"ترميم البيت الكوردي" و"عفا الله عما سلف" و"لنطوي الصفحات القديمة" و"ننظر إلى المستقبل"، وذلك دون التخلّي عن أسلوب التحقير والاهانة والبغي تجاه كل من تراوده نفسه عدم التستّرعلى ما اقترفه حزبهم الأم بصدد القضية الكوردية في الجزء السوري من كوردستان، حيث لم يفتح فاهه يوماً ضد سياسة القضاء على الشعب الكوردي، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، واقتلاعه من جذوره، بل وقف مع النظام أو خلفه مبرراً لسلوكياته ومدافعاً عن جرائمه، ومعتدياً على الحركة السياسية الكوردية (السورية) بكل أشكال الاعتداء والاستهانة بها ومعاداتها. وحتى اليوم لانرى أي اعتراف صريح وعلني من زعيم اتحادي ديموقراطي بحجم الجريمة المقترفة من قبل حزب العمال الكوردستاني ضد هذه الحركة الكوردية المسالمة في سوريا، بل لا يتخلّى هؤلاء الزعماء حتى الآن عن الولاء لمن بدّل ولاءه للقضية الكوردية إلى ولاء مطلق وتام للجمهورية الأتاتوركية المعادية للأمة الكوردية، ولايتوقّف عن تدخلاته في شؤون الاقليم الجنوبي من كوردستان، بشكل مثير للضحك أحياناً.
لماذا لايقدّم حزب "الاتحاد الديموقراطي" هذه الأموال لشباب الكورد السوريين الذين يعيشون شبه عالة اليوم على اخوتهم في جنوب كوردستان، بعد أن تركوا صفوف حزب العمال أو أرغموا عليه؟ وكذلك مئات العوائل الكوردية التي لاتزال تعيش هناك في معسكر بائس؟ ولماذا لا يجمع هذا الحزب الأموال لمعتقلي شعبنا الذين يعاملهم النظام معاملة لا إنسانية في السجن، وتحتاج عوائلهم للمساندة والعون كما تحتاج لذلك عوائل الذين تم اغتيالهم أثناء الخدمة الالزامية من الشباب الكوردي؟ فإلى متى ستبقى كوردستان سوريا بقرة حلوب لحزب العمال ووليده "الاتحاد الديموقراطي" الذي يهتم بالافراج عن قائده الأبدي أشد الاهتمام، لدرجة أنه لا يرفع شعاراً أعلى منه على الاطلاق في حين أن النضال من أجل حرية شعبنا في هذا الجزء من كوردستان يجب أن يكون الهدف الأعلى لأي حركة سياسية له.