الشعب والتسامح.. وصفحات جديدة

الشعب والتسامح.. وصفحات جديدة

خالد بهلوي

ترسيخ ثقافة التسامح تبدأ من تربية الأسرة حيث يغرس في ذهنية الطفل إبداء المرونة وحسن المعاملة والتسامح مع أقرانه وترسيخ معنى العفو، حيث تصقل مع عامل الوقت؛ خاصة في المدرسة من خلال التعامل مع الطلاب في الباحة أو بالصف الواحد .
ويتأثر الطفل بتقاليد وثقافة الحي او المحيط الذي يعيش فيه، وأهمها قيم الدين ومواعظ رجال الدين، أو كبار السن والأحزاب السياسية الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني لكل هؤلاء دور في ترسيخ ثقافة التسامح لدى المواطنين.
لن تُخفى على أحد روح التسامح والإخوة والمحبة التي كانت سائدة في مجتمعنا قبل الأحداث؛ على سبيل المثال تعايش العاملين من جميع المحافظات في مدينة رميلان النفطية بروح الإخوة والمحبة ضمن مجتمع الجزيرة الذي تميّز بالتنوّع في مكوّناته كالعرب والكرد والسريان والآشوريين والأرمن والايزديين إضافة إلى مكوّنات النازحين واللاجئين القادمين من المحافظات السورية الأخرى من مناطق التصعيد الذين خسروا بيوتهم ومصادر رزقهم نتيجة استمرار الاحداث بين القوى المسلحة المتصارعة .
لكل هذا في مجتمع الجزيرة كنموذج يجذّر، ويرسّخ قيم التسامح والتعايش الاجتماعي السلمي مع الآخر دون النظر الى عرقه أو مذهبه أو قوميته التي ينتمي له، وتعزيز ثقافة العيش المشترك والعفو عما ارتكب من اخطاء. عدا المجرمين والقتلة يجب أن تطبق بحقهم العدالة القانونية ، ويلاقوا جزاءهم المستحق ، مهما كان هذا الجزاء قاسياً.
من المعلوم أن الأحداث أثرت على العلاقات الاجتماعية في المجتمع وبدلت نفسيات ومواقف الكثيرين نتيجة أخطاء وسلبيات هنا وهناك مارسها أشخاص ضد الآخرين دون أن يعرفوا بعض أو دون ان يكون لاحدهم عداء او انتقام للأخر :
لهذا التسامح ضرورة لتجاوز آثار الاحداث ونكباتها، ويتعزز ذلك بإعطاء أهمية للمثقفين والإعلاميين وشيوخ العشائر والمنظمات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني في إعادة اللحمة والثقة والمحبة والاخوة التي كانت سائدة بين جموع الشعب .
بعد الأحداث يجب إعطاء الأهمية لدور التربية المدرسية في اغناء هذا الجانب وبكل الاحوال مقومات التسامح عند شعبنا موجودة سابقاً اكثر من باقي المجتمعات المحيطة.
فالدعوة إلى التسامح دعوة إنسانية أخلاقية، تقوي المجتمع، وتزيد من تلاحمه وصلابته انطلاقا من احترام حقوق الآخرين وحرياتهم وثقافتهم، أي فكرة قبول الآخر دون أي خلفية او ذهنية انتقامية كرد فعل على ما حدث رغم الصعوبات والمآسي التي حصلت، ودفع ضريبتها كل مواطن على امتداد ساحة الوطن.
تقول الآية الكريمة: إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. لا لتتقاتلوا وتتحاربوا وتكرهوا بعضكم البعض. من هنا جاء الاختلاف بين البشر سواء في اتباع الأديان السماوية أو اللغة، أو العادات والتقاليد، وتأتي أهمية بناء مجتمع يسوده التسامح والعدالة والمساواة والحفاظ على حقوق الاخرين مهمة ومسؤولية ولمصلحة جميع افراد الشعب.
وتعمل اليوم بعض المنظمات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، التي تضمّ في صفوفها من كلّ المكوّنات والأطياف على نشر هذه الرسالة.
فالتسامح والمحبة والسلام وروح التعايش المشترك بين أبناء الوطن، على اختلاف عقائدهم وثقافاتهم وطبقاتهم الاجتماعية، وتعزيز ثقافة العفو والتسامُح هي تعبير عن سلامة التوجهات والسياسات التي تبني مجتمع يسوده العدل والحرية والمساواة.